بالرغم من تعهداتها للحكومة السودانية والمجتمع الدولي بكف يدها عن دعم المعارضة السودانية المسلحة، عملت حكومة جنوب السودان على إعادة بناء قوات المتمردين الذين تأويها بعدد من المناطق خاصة في ولايات بحر الغزال. وذلك من أجل مساندتها في قتال قوات المعارضة المناوئة لها في عدة أجزاء من البلاد.
ورغم الظروف الأمنية المحيطة بالجيش الشعبي إلا أن حكومة جوبا لم تتخلى عن فكرة استمرار استهداف السودان من خلال دعم قوات المتمردين انطلاقا من أراضيها، فرغم كل التعهدات و”الأحاديث المعسولة” من جانب جوبا إلا أنها شاركت في الهجوم الذي استهدف ولايات دارفور شهر مايو الماضي، بالتزامن مع الهجوم الذي قام به مرتزقة هذه الحركات المتواجدين بدولة ليبيا.
ويوجوأعاد الهجوم الأخير الذي تدعمه جوبا إلى الأذهان معركة “قوز دنقو” التي وقعت في أبريل 2015م والتي اشتبك فيها الجيش السوداني وقوات الدعم السريع مع مقاتلي حركة جبريل ابراهيم القادمين من جنوب السودان “بقوة غير مسبوقة”.
هذه المعركة تعتبر من أهم ملاحم الجيش السوداني، إلا أن حكايتها قد لا تحتاج إلى كثير حديث، فالقصة يمكن ذكرها مختصرة دون الإسهاب في أبواب وفصول لها “عبرت القوة الضخمة بحر العرب قادمة من جنوب السودان.. وبعد أن خيمت (آمنة مطمئنة) دون أن تعرف أنه تم استدراجها، حاصرتها الدعم السريع لثلاثة أيام ، بعدها تم الإطباق على الجيش الضخم الذي جاء لحسم “معركة الفاصلة”.. وانتهت المعركة في نصف ساعة، حتى أن كثير من الجنود تم اسرهم قبل أن ترتسم على وجوههم الدهشة..”
دمار كبير لحق بكتيبة قوات العدل والمساواة التي خلفت عشرات القتلي والسيارات المدمرة. ففي هذه المعركة تم الاستيلاء على 160 عربة وكميات كبيرة من الأسلحة والمدافع والذخائر، وأجهزة الاتصال الحديثة.. ولعل أبلغ تلخيص لنتيجة المعركة هو ما ذكره أحد الخبراء العسكريون “أن قوات العدل والمساواة دخلت بأكثر من (1100) مقاتل ولم يتبق منهم إلا (37) بما فيهم الجرحى”.
وبعد حوالي العامين من “قوز دنقو” يتكرر سيناريو الهزيمة وإن كان بتفاصيل مختلفة، وكأن حكومة جنوب السودان والحركات الدافورية لم تتعظ بما حدث، أو أنها استهانت بقوة القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، وهو ما يبدو أنه ناتج عن خطأ في المعلومات الإستخبارية التي توفرت لجوبا وللمتمردين الذين أرادوا استخدام عنصر المفاجاة في مواجة القوات الحكومية، إلا أنهم فوجئوا بأبواب الجحيم وهي تنفتح عليهم من جميع الإتجاهات والمحاور التي حاولوا الدخول عبرها إلى دارفور.
بعد خسارة حركة جبريل لمقاتليها وعتادها في “قوز دنقو” التي كانت قاصمة الظهر للحركة، جاء الدور على مني اركو مناوي حتى ينجح في تحقيق ما فشل فيه جبريل.. وجرى تجهيز استمر لاشهر طويلة حتى يتم إعداد القوات ودراسة السلبيات التي صاحبت معركة حركة جبريل مع القوات الحكومية. ولتلافي النقص في قوات مناوي التي تقاتل في جنوب السودان وليبيا على حد سواء، تم الإستعانة بالمجموعة المنشقة عن المتمرد عبد الواحد نور بقيادة عبد السلام طرادة (الذي لقى حتفه بطريقة دراماتيكية خلال المعارك) ونمر عبد الرحمن (وتم أسره في جبال عدولة).
تحركت قوات مناوي وطرادة من منطقة تمساحة بجنوب السودان بقوة قوامها (500) فرد وأكثر من سبعين عربة. وعبرت القوة بحر العرب وصولا إلى منطقة “عشيراية”، إلا ان قوات الدعم السريع نزلت عليها كالصاعقة واشتبكت معها في المعركة الرئيسية التي ظهرت فيها بسالة القوات النظامية التي دمرت القوة الرئيسية للمتمردين التي سقطت ما بين قتيل وأسير، كما تم الاستيلاء على (39) من السيارات التي شاركت في الهجوم.
بهذا الإنتصار المدوي تفرغت القوات الحكومية لقتال المجموعات التي حاولت التسلل عبر عبر عدد من المحاور، والتي ظنت أن قوات الجيش والدعم السريع ستنشغل بقتال القوة الرئيسية في “عشيراية”.
وخلال عمليات التمشيط للمتمردين بين لايتي شمال وجنوب دارفور دارت معركة أخرى في “أم دويمات” ناحية جبال عدولة، ولقى المتمردون خسائر فادحة حيث قتل ما لا يقل (50) من القوات واسر ابرز القادة وهما نمر عبد الرحمن وابراهيم بهلول التابع لحركة مناوي.
في منطقة الملم بجنوب دارفور تم ملاحقة قوات المتمرد طرادة وقتله بعد اشتباك مع قواته وذلك خلال فراره إلى شرق جبل مرة. وواصلت قوات الدعم السريع مطاردة متبقي الحركات المتمردة في أقصى شمال دارفور التي دارت فيها معركة “عين سرو” التي شهدت قتل وهروب العشرات من المتمردين من أرض المعركة.
واستمرت معارك التمشيط بالقرب من “أمبرو” والتي لاحق فيها الجيش متبقى قوات مناوي واستولى على أسلحتهم وذخيرتهم فيما لاذ أغلب القادة بالفرار نحو الحدود التشادية.
نجحت القوات المسلحة في إفشال الهجوم لحركة مناوي الذي انطلق من اراضي جنوب السودان، ورغم القوة الكبيرة في العدد والعتاد للمتمردين إلا أن القوات المسلحة والدعم السريع أكدت قدرتها على التصدى لأي تحركات بدعم من جنوب السودان أو أي من دول الجوار يهدف لإيذاء السودان.
عبد الله بشير
(smc)