على غير المعتاد انبرى السفير المصري والممثل الدائم للقاهرة لدى الأمم المتحدة عمرو عبد اللطيف خلال تقرير لمجلس الأمن حول الوضع بدارفور مدافعاً بصورة علانية عن السودان ضد المحكمة الجنائية، وقال عمرو عبد اللطيف خلال مداخلته ” إن إجراءات المحكمة الجنائية الدولية ضد البشير يجب أن تعلق ويجب أن تحرص المحكمة على عدم تعريض السلام والأمن للخطر في القارة الإفريقية” وتطابق الموقف الإثيوبي مع الموقف المصري في جلسة مجلس الأمن، رغم أن الموقف الإثيوبي الداعم للسودان لم يكن خافياً، بعكس القاهرة التى كانت تبدو خجولة في إظهار مواقفها الداعمة للسودان في المحافل الدولية.
مياه النيل
ما أن تذكر الدول الثلاث السودان ومصر وإثيوبيا، إلا ويطل ملف مياه النيل وسد النهضة على وجه الخصوص، السد الذي أقامته إثيوبيا وعارضته مصر وأيد قيامه السودان، وعارضت مصر قيام السد الإثيوبي لتخوفها من نقص حصتها من المياه، وساند السودان إثيوبيا في حقها في إنشاء السد الذي تعتبره إثيوبيا حلماً لا مجاملة في تحقيقه على أرض الواقع، ويعتبر ملف سد النهضة من أكثر الملفات تعقيداً وحساسية بين الدول الثلاث، وبالرغم من المحاولات الكثيرة التي بذلها السودان بغية الوصول إلى صيغة توافقية تحفظ لكل دولة حقها طالما أصبح السد واقعاً لا مفرّ منه، وفي سبيل ذلك عقد السودان اجتماعاً ثلاثياً ضم الرئيس الإثيوبي ديسالين والمصري السيسي مع الرئيس البشير بالخرطوم لتخفيف التوتر وحفظ الحقوق، وبالرغم من نجاح اللقاءات ظاهرياً إلا أن ماهو مكتوم أكثر في الملف الأكبر تعقيداً(ملف سد النهضة).
موقف وسط
اتخذ السودان الموقف الوسط بين دولتي إثيوبيا ومصر، باعتباره واحداً من دول حوض النيل ولخصوصية علاقته بين الدولتين، إلا أن موقف السودان لم يجد القبول عند المصريين باعتبار أن موقف الحياد يدعم الخط الإثيوبي على حساب التوجه المصري، وعلى النقيض احتفت إثيوبيا بالموقف السوداني غير المنحاز ضدها مما أسهم في تطور العلاقة بين البلدين في مختلف المجالات الأمنية والاقتصادية والسياسية، وتبع ذلك المحاولات السودانية المستمرة لجعل العلاقة طبيعية بين السودان والجارة مصر، وبين هذا وذاك يسعى السودان ويجتهد لكي لا يغرق في مياه النيل لا في مصر ولا إثيوبيا واختار لذلك ملتقى النيلين عسى ولعل أن يستطيع الجمع بينهما، وإن كان غير ذلك فالغرق لا محالة.
ملف الجنائية
في مارس من العام 2009م، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة لتوقيف الرئيس البشير بحجة ارتكاب جرائم حرب في دارفور ، إلا أن الحكومة السودانية والرئيس البشير واجها القرار بالتحدي والسعي لإجهاضه، وساند السودان في ذلك الموقف عدد من الدول والمنظمات، أولها الاتحاد الأفريقي الذي رفض المذكرة واعتبرها تدخلاً في الشأن الأفريقي الداخلي، وكانت لإثيوبيا مواقف مساندة للسودان بحكم الإجماع الأفريقي وتميز العلاقة مع السودان، وكطرف آخر في محيط الدول الثلاث لم يكن لمصر موقف واضح من المحكمة الجنائية غير ما تم في الإجماع العام العربي والأفريقي، بالرغم من أنها كغيرها من الدول استقبلت البشير لعدد من المرات مع بداية الأزمة، وغير ذلك لم تفعل مصر أكثر.
تطورات جديدة
بالرغم من التطورات الأخيرة التي شهدتها العلاقة السودانية المصرية، بعد إعلان الحكومة السودانية ضبطها لمدرعات حربية مصرية بحوزة الحركات السودانية المتمردة التي حاولت الدخول إلى الأراضي السودانية عبر عدة محاور الشهر الماضي، وبعد أن تصدت القوات السودانية للقوات المتمردة بمنطقة (وادي هور) أعلن الرئيس البشير أنهم ضبطوا مقاتلات مصرية بحوزة المتمردين، لينفي بعدها الرئيس المصري السيسي صلتهم بدعم الحركات المتمردة السودانية، ليذهب بعدها وزير الخارجية غندور لمصر حاملاً معه ما يثبت الضبطية المصرية، والتي أعلن بعدها الرئيس السيسي تشكيل لجنة للتحقق في المعلومات السودانية، هذه التطورات الأخيرة جعلت المراقبين يتوقعون تصعيداً في النبرة العدائية بين البلدين، إلا أن الجهود الدبلوماسية التى قادها السودان بزيارة غندور وتجاوب القيادة المصرية، خالف التوقعات بمزيد من التنسيق آخرها الموقف المصري الذي طالب بتعليق التحقيق الذي أجرته المحكمة الجنائية الدولية ضد البشير، وسحب قضية دارفور من المحكمة الجنائية، وتجميد الاتهامات الموجهة بشأن دارفور، خلال تقرير لمجلس الأمن حول الوضع بدارفور بحضور المدعي العام للمحكمة الجنائية فاتو بنسودا، وتطابق الموقف الإثيوبي مع المصري في مجلس الأمن تجاه القضية السودانية المتعلقة بالموقف من المحكمة الجنائية، ليكون ذلك هو التلاقي الأول بين الدولتين في أمر المحكمة الجنائية، خاصة وأن الموقف المصري الداعم للسودان لم يكن معلناً في يوم ما.
متغيرات إقليمية
وعلى واقع التغيرات الجديدة في الموقف المصري على وجه التحديد رأى المحلل السياسي البروفيسور عبد اللطيف البوني أن الموقف المصري تجاه السودان فرضته المتغيرات الإقليمية التي تشهدها المنطقة في الفترة الأخيرة، وقال البوني خلال حديثه لـ(الصيحة) إن هناك قوة إقليمية مؤثرة على الطرفين (السودان- مصر) فرضت ذلك التقارب، مشيراً إلى أن تلك الجهة ترى أن الخلاف بين السودان ومصر عبثي خاصة في الوقت الراهن، وتمنى البوني أن يستغل السودان ومصر التقارب الذي أحدثته الظروف الحالية ليصبح تنسيقاً بإرادة الدولتين دون تدخل أطراف خارجية، وأشار البوني إلى أن الدبلوماسيين المصريين والسودانيين يملكون القدرة على جعل ذلك ممكناً، لتكون العلاقة طبيعية لمصلحة البلدين، وعن تطابق الموقف المصري والإثيوبي تجاه السودان بمجلس الأمن رأى البوني أن الأمر صحبته مزايدة من الطرفين لإظهار القرب والتعاون مع السودان رغم الموقف الإثيوبي الداعم للسودان منذ تفجر قضية المحكمة الجنائية، واستبعد البوني أن يكون هناك تنسيق مسبق بين مصر وإثيوبيا تجاه السودان في ملف المحكمة الجنائية في مجلس الأمن بسب تطابق مواقفهما.
الخرطوم: محمد أبوزيد كروم
صحيفة الصيحة