لم نصدق ما رأيناه في هذه القرية حيث أصابنا الذهول من تلك العادات والتقاليد الأقرب إلى العادات البدائية، إنها قرية “بيان” التي يقال إن أهلها مسلمون، وتقع وسط جزيرة لومبوك التي تنقسم إلى لومبوك الشرقية ولومبوك الغربية وتقع القرية العجيبة في الجزء الشرقي من جزيرة لومبوك.
وذكر لنا مرافقنا أنَّ هذه القرية وهذه البقعة بالذات شهدت افتتاح أول مسجد منذ 520 عاماً إلى جزيرة لومبوك، وهذا المسجد موجود للآن، وتأسف المرافق لما سوف نشاهده وما سوف ترصده عدستنا قائلاً: “أرجو منكم أن تسلطوا الضوء على هذه القرية الغارقة في غياهب الجهل والتخلف لعل وعسى أن يتوجه إليها دعاة يعيدون الإسلام إليها ويصححون العادات والتعاليم، فهم شعب طيب ولكن متمسك بعاداته ويعتقد أنها من صحيح الدين – انتهى كلام المرافق. وأصابنا مزيج من الدهشة والشغف لمعرفة تلك التجاوزات وللحق اعتقدنا أنها تجاوزات ربما تكون بسيطة أو لا تمس جوهر العقيدة وربما أتت في الشكليات ولكن للأسف أصابنا الفزع والروع بمشاهدة ما يحدث في داخل القرية”.
قرية بيان هي أول بقعة في جزيرة لومبوك تنشىء مسجداً للصلاة منذ عام 1510 ميلادي يوافق عام 890 هجري، وكان أحد الرجال التجار الذين أتوا من جزيرة جاوا وأنشىء المسجد ويدعى “جو عبدالرازق” وتبدأ القصة من هنا عندما شرع هذا التاجر في بناء المسجد وأخذ يعلم الناس في القرية الإسلام ومبادئه والصلوات وهم – أهل القرية – يؤكدون أنهم تعلموا من الشيخ عبدالرزاق أن الصلاة ثلاثة فروض وهي الفجر والصبح والمغرب، وبالطبع سألنا المرافقين لنا وردوا بأن هذه خرافات متوارثة ولا يمكن لمن يبني مسجداً ويهتم بالدعوة إلى الإسلام أن يحرف في تعاليمه، وأرجع المرافقون الأمر إلى الخرافات والعادات القبلية، ولم يتوقف الأمر إلى هنا فهم -أي أهل قرية بيان- لا يلبسون ملابس إلا ما يستر عوراتهم فقط، سواء كانوا رجالاً أو نساءً وعملهم الوحيد في الأرض الزراعية المجاورة للقرية ويتقاسمون الطعام وممنوع عليهم 10 أمور كما يقولون ليقتدوا بالمسلمين الأوائل.
والممنوعات العشرة هي الزواج من غير أهل القرية والهواتف النقالة، وأطباق استقبال البث الهوائي، والمذياع والسيارات والماكينات وأدوات الزينة للمرأة وآلات التصوير والمشاعل النارية المميكنة وأكل الخنزير.
وعندما بدأ مصور “سبق” في التقاط الصور، رفضوا التصوير، ولولا وجود المرافقين الذين أفهموهم أننا نحترمهم وأننا صحفيون، وافقوا على الجولة والدخول للقرية بدون وجودهم وبدون تصويرهم على وعد منهم بمدنا بصور خاصة عن طريق الشيخ تيسير، وبعد عناء سمحوا لنا بالتصوير.
وأشار لهم كبيرهم بالدخول في بيوتهم فهرع الجميع إلى منازلهم وتركوا المرافقين معنا يشرحون لنا القرية وأقسامها ومذبح الحيوانات والمسجد والمقابر وغيرها من العلامات المميزة للقرية ولم يبق معنا إلا الأطفال والمرافقون وتجولنا في القرية كأنها خاوية على عروشها ورفضوا أن يفتحوا لنا المسجد، فنحن غرباء لا يفتح لنا أو لغيرنا المسجد إلا لأبناء القرية فقط كما يخطب فيه فقط في عيد الفطر وعيد الأضحى ومولد الرسول صلى الله عليه وسلم.
وللآن لم تتوقف غرائب هذه القرية العجيبة فهم يبنون بيوتهم من سعف النخيل وجذوعه وممنوع منعاً باتاً أن يبنوا بيوتهم من أحجار أو مواد بناء حديثة فيعتبرونه رجساً، واعتقدنا أن هذا الأمر هو الأخير في أعاجيب هذه القرية، فوجئنا بعادات الذبح فطقوسهم أن يضعوا الذبيحة في وسط القرية ويجمع أهل القرية ويدورون حولها حتى في لحظة ما يقومون بذبحها بعد التسمية عليها ثم يدورون مرة أخرى حتى يتوقف الدم ثم يقومون بسلخها وقطعها وهكذا.
وكان آخر ما عرفناه عن أهل قرية بيان وعددهم لا يتعدى ألفي شخص أو أكثر قليلاً أنهم لا يسافرون ولا يرتحلون ومنذ سنوات قليلة فقط بدؤوا يبتاعون المواد الغذائية مع جيرانهم في القرى الأخرى.
توقفنا في لقاء مع الداعية الشيخ محمد تيسير الأزهر، وهو أحد الدعاة الكبار في لومبوك وجميع أهل الجزيرة يعرفونه ويوقرونه بشكل كبير، سألناه: هل هذه القرية مسلمة؟ قال: “هنا في إندونيسيا ستجد العديد من الغرائب والعجائب ولا ضير طالما أننا نحاول أن نصلح بالموعظة الحسنة ونحتاج فقط من جميع المسلمين والدعاة وأصحاب الرأي والإقناع أن يبادروا بمساعدتنا في تصحيح مفهوم الإسلام في هذه القرى ونحن نعلم تلك القرى “الظالم أهلها”، ونحاول معهم منذ سنوات مضت ولكن الإمكانيات شحيحة وهم -أي أهل قرية- بيان لا يرجون لله وقارا.
وأشار الشيخ تيسير إلى إلقائه العديد من المحاضرات في القرية وحولها ويحاول هو ورفاقه أن يغيروا تلك الأمور.
وأكد الشيخ تيسير أن مجموعة من الشيوخ والدعاة قد بنوا العديد من المساجد بجوار هذه القرية ليرى أهلها الفارق بين ما يعتقدونه وصحيح الدين.
واقترح حضور دعاة ذي مكانة من السعودية أو مصر إلى أهل قرية بيان وذلك لأن شيوخ السعودية لهم مكانة عظيمة لدينا وأتوقع بحضورهم ربما يغير الله على أيديهم تلك العادات ويهدي أهلها وسيكون أيسر وأسرع، وبين الشيخ تيسير أنهم لن ييأسوا من رحمة الله في تصحيح هذه المعتقدات وتغيير نمط حياة قرية بيان وحياتهم اليومية، لقد دهشنا من حياتهم البسيطة والبدائية وشاهدنا قدور الطهي على النار، وبعد ذلك يذهب معظمهم إلى العمل في مزارع الأرز، وهذه القرية يمكن أن تصبح منبراً حقيقياً للإسلام الصحيح الوسطي، فقط علينا وعلى الإخوة الدعاة في العالم الإسلامي أن يهتموا ويأتوا ليساعدوننا، فإندونيسيا بلد كبير ومتباعد وإمكانياته قليلة.
صحيفة سبق