لايوجد بين “قادة فصائل” دارفور من هو أسوأ حالاً الآن من مني أركو مناوي.. وهو قائد الفصيل الذي بنى آمالاً عراضاً على مستقبله السياسي والعسكري. وظل منذ سنوات يخطط للعودة إلى المشهد السياسي والعسكري .. كان هذا الحلم ملازماً لأركو طوال سنوات تواجد قواته في ليبيا وجنوب السودان، التي قاتل فيها بضراوة لصالح المليشيات المتصارعة، في سبيل أن يدعمه من يقاتل لصالحهم للعودة إلى دارفور من جديد.
وحالة مناوي هذه الأيام بعد أن تلقي الضربة القاضية على تخوم دارفور، تشبه إلى حد كبير حالة جبريل إبراهيم رئيس فصيل العدل والمساواة عقب كسر عظم حركته في معركة “قوز دنقو” الشهيرة التي جرت فصولها، أو بدقيق العبارة، فصلها الوحيد والحاسم في ولاية جنوب دارفور في شهر أبريل 2015..
تلك المعركة كانت تعني الكثير في أدبيات “الحرب والسلم في السودان”، وكانت نقطة لتحول استراتيجي في مسار قضية دارفور وحركة جبريل إبراهيم. فالحركة شهدت سيلاً من الانقسامات المتتالية وعودة معظم ما تبقى من قادتها مثل مجموعة القادة التاريخيين مرورا بمجموعة على وافي وانتهاء بسليمان جاموس وابوبكر نور تاركين جبريل آوياً “إلى جبل” لعله يعصمه من طوفان الدعم السريع.
أما معركة التصدي للمرتزقة القادمين من ليبيا وجنوب السودان ورغم حسمها في وقتها وعدم تمكين المتمردين من الظفر بما يريدون، إلا أنها تعتبر ملحمة من نوع آخر لجهة أنها انطلقت من دولتين مجاورتين بالتزامن، واستهدفت أكثر من منطقة في آن واحد، وهو ما يعني أن حسمها وراءه قصص لم تتكشف كلها بعد.
حجم الصدمة التي تعرض لها مناوي أكبر مما ستتوقعه مراكز الدراسات الإستراتيجية والمهتمون بالشأن الدارفوري.. فهو قد بني آماله واحلامه على “هذا اليوم” الذي تزحف فيه قواته من ليبيا “بعد أن ينال هو وقواته مكافأة نهاية الخدمة”، وكذلك تزحف من جنوب السودان “بعد أن ينال هو وقواته مكافاة نهاية الخدمة”، هذه الخدمة لم تكن طويلة بحساب السنوات لكنها ممتازة في أداء دور المرتزقة الذين يضربون “بني الجلدة” بعضهم ببعض.. ويصدرون “ثورة الخراب” إلى دول الجوار المنهكة بالحروب والنزاعات.
وبمتابعة الأيام القليلة التي سبقت الهجوم على دارفور نجد أن مناوي لعب دوراً كبيراً في التجهيز لهذا الهجوم الذي شارك فيه بمعظم قواته وقواده في ليبيا وجنوب السودان، فقد وجه القائد العام لحركته جمعة حقار بتجميع القوات المتواجدة في ليبيا بمنطقة “زلة” وقام بالتنسيق مع مجموعة المنشق من عبد الواحد “طرادة”.. وقامت الحركة بتجهيز ثلاثة مجموعات قوامها 700 مقاتل على متن (160) عربة بقيادة جابر اسحق نائب مناوي وقائدي العمليات والميدان.
وفي جنوب السودان حشد مناوي قواته بمنطقة تمساحة بقيادة جمعة مندي رئيس أركان الحركة وبمعاونة عبد السلام طرادة ونمر عبد الرحمن المنشقين من فصيل عبد الواحد، واستخدمت (500) مقاتل وفرت لهم حوالي (70) عربة.
وأراد مناوي القيام بضربات خاطفة لبعض نقاط الإنذار والقرى الطرفية ليتم نهبها غير آبه بالضحايا الذي سيسقطون من المدنيين، وما يهم مناوي هو إثبات اضطراب الأوضاع في دارفور، وبالتالي الحصول على مكاسب اهمها الإعتراف بوجوده وقدرته على التاثير في دارفور، وهو ما سيجعل له وزناً في أي مفاوضات أو تسوية لطي ملف دارفور.
زحفت القوات في طريقها إلى دارفور وكانت وجهتها الوصول إلى وادي هور، وارتكزت في عدد من المواقع شمال وحول الوادي. لكن القوات المسلحة وقوات الدعم السريع كانت في الموعد تعرف كل كبيرة وصغيرة عن نوايا المتمردين، وحدثت المعركة الحاسمة والتي كانت نتيجتها القضاء على ما تبقى من قوات مناوي. بل أن قوات الدعم السريع لاحقت من لاذوا بالفرار في الجبل ووراء الحجر وقضت كذلك على أحلام عودة الحرب إلى دارفور.
سقط عشرات القتلى من المرتزقة في المعركة وتم القبض على (17) أسير كما تم الإستيلاء على (45) عربة من بينها سيارات قتالية مصفحة فضلاً عن كميات كبيرة من الأسلحة الثقيلة والمدافع والراجمات.
في الجانب الآخر عبرت القوات القادمة من جنوب السودان منطقة بحر العرب، إلا أنها فوجئت بالقوات المسلحة والدعم السريع تنقض عليها في منطقة عشيراية، لتسقط قوات المرتزقة ما بين قتيل أسير، وقدر عدد الأسرى في المعركة بـ(78) كما تم الإستيلاء على (40) عربة.
تواصلت بعد ذلك عمليات التمشيط والملاحقة والتي شكلت في حد ذاتها معارك وملاحم أخرى قطعت الطريق أمام الهاربين إلى ليبيا وجنوب السودان. وتشير المعلومات المتوفرة أن مناوي وضع خطة بديلة في حال حدوث أي هزائم وذلك بإعادة تجميع قواته لمعاودة الهجوم على دارفور، لكن حجم الخسائر الكبيرة إضافة لقتل واسر معظم المقاتلين وضعت حداً لمغامرات مناوي ومن خلفه مرتزقة الحركات في ليبيا وجنوب السودان.
(smc)