بذلت حكومة السودان جهوداً مضنية وجبارة خلال الفترة الأخيرة من أجل رفع العقوبات الأمريكية عن السودان كلياً خاصة وأن المهلة التي منحت للسودان بدأت في العد التنازلي.
ومن المعلوم أن العقوبات أثرت سلبا على البلاد، حيث زادت معها تكلفة تقديم الخدمات والتحويلات والتجارة، إذ ابتعدت معظم المصارف والبنوك الخليجية والعربية عن التعامل مع السودان، خوفا من أن تؤثر العقوبات الأمريكية على مصالحها، خاصة مع تعمد واشنطن معاقبة الشركات الأجنبية التي تعاملت مع الخرطوم وفرضت عليها غرامات باهظة.
إعفاءات وديون
وعمليا لم يستفد السودان من مبادرات سابقة منها مبادرة إعفاء الدول المثقلة بالديون (الهيبك)، رغم استيفائه كافة المتطلبات الفنية، حيث تم إدراجه فيها ضمن 136 دولة.
فيما أكدت وزارة المالية أن السودان مؤهل لنيل شروط مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون من الجوانب الفنية، مشيرة إلى أن الحصار الجائر على السودان يعد أحد العوامل الأساسية التي منعت السودان من الاستفادة من تلك المبادرة.
وقال دكتور عبد الرحمن ضرار وزير الدولة بوزارة المالية إن السودان أوفى بكل المطلوبات خلال المهلة التي منحت له، مشيراً إلى أنه عقب رفع الحصار عن البلاد سيتمتع السودان بمبادرة الدول الفقيرة
وبحسب محللين فإن العقوبات الاقتصادية الأمريكية أسهمت في فقدان البلاد لفرص التمويل الميسرة من الصناديق الدولية وقادته للجوء إلى فرص أخرى بشروط صعبة.
وأشاروا إلى أن تأثيرات العقوبات لم تتركز في القطاع المالي فقط، بل امتدت لتطاول الصادرات السودانية، بسبب صعوبات النقل وتحويل الإيرادات عبر البنوك العالمية.
ويعتقد المحللون أن العقوبات هي السبب الرئيس في تدهور الأوضاع المعيشية وارتفاع نسب الفقر، بالنظر لتأثيرها المباشر في رفع تكلفة الإنتاج ومن ثم ارتفاع أسعار السلع.
حوارات مستمرة
وأشارت وزارة الخارجية السودانية، إلى استمرار الاتصالات بين السودان والولايات المتحدة عبر سفارتي البلدين والتواصل المباشر مع المسؤولين وذلك لزيادة مساحات التعاون والفرص الممكنة لشعبي البلدين.
وقال وكيل وزارة الخارجية السفير عبد الغني النعيم إنه من المتوقع أن تكون هناك مساهمات بين كافة الفئات بما في ذلك مجال الأعمال التجارية والعلاقات الثقافية والتعاون حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك ومنها بالطبع مكافحة الإرهاب وتحقيق السلام في جنوب السودان.
وأوضح النعيم أن رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية عن السودان هو نتاج حوار عميق واتصالات عديدة وأن السودان يتهيأ الآن للاستفادة من هذا القرار وذلك بتنشيط التحويلات البنكية عبر العالم، وتهيئة المناخ لزيادة التبادل التجاري والاستثمار.
وأشار إلى أن السودان يهدف إلى جذب شركات أمريكية وعالمية بجانب توسيع علاقاته مع دول المنطقة وخاصة الدول العربية والأفريقية.
تقارير إيجابية
وقد نأى تقرير للاستخبارات الأمريكية أمام الكونغرس قدم الشهر الماضي عن إيراد اسم السودان ضمن الدول الراعية للإرهاب، وأكد وفاءه بجملة شروط ستمهد لرفع العقوبات المفروضة عليه منذ عشرين عاما بشكل نهائي. وقال تقرير لمدير الاستخبارات الأمريكية “إن السودان سيلتزم بشكل كبير بوقف العدائيات في مناطق النزاع، وهو أمر مطلوب لرفع العقوبات”.
ووصفت الحكومة تقرير وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي. أي. أيه) حول السودان بالإيجابي وقالت إن السودان أوفى بكافة المطلوبات لذلك يعتبر رفع العقوبات أمرا عادلا في حقه، وأبدت تفاؤلها بأن يقوم الكونغرس والرئيس الأمريكي برفع العقوبات نهائياً وكلياً عن السودن وأكدت أن المرحلة المقبلة تتطلب بذل الجهود من أجل تنفيذ مخرجات الحوار الوطني التي وصفها بالملزمة من أجل إصلاح حال البلاد.
وكان مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية دانيال كوتس قد قدم تقريراً للجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ بعنوان (تقييم التهديدات في العالم من قبل أجهزة الاستخبارات).
تنبؤات وتقييم
ولم يشر التقرير إلى أي منع من قبل الحكومة السودانية لتوزيع المساعدات الإنسانية وهو شرط وضعته الإدارة السابقة برئاسة باراك أوباما لرفع العقوبات، واتهم في مكان آخر حكومة جنوب السودان بأنها مستمرة في “إعاقة توصيل المساعدات الإنسانية”..
وذكر مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية أن السودان يسعى عموماً إلى استمرار الحوار البناء مع واشنطن ما مهد لقرارها رفع بعض العقوبات في يناير 2017.
وكانت واشنطن قد اشترطت لرفع العقوبات نهائياً عن السودان أن تقدم أجهزة الدولة تقريراً بحلول 12 يوليو المقبل يفيد بأن السودان ملتزم بعدة شروط، منها مكافحة الإرهاب والإيفاء بتعهده بوقف الأعمال العدائية في مناطق النزاع.
على الرغم من صعوبة التنبؤ بما ستقررهُ الإدارة الأمريكية في خصوص العقوبات، إلا أنه يُمكننا أن نُرجِّح احتمالية رفع العقوبات عقب الجهود التي بذلها السودان في مكافحة الإرهاب والتعاون من أجل استقرار الإقليم ودعمه للدول التي تأثرت بالحروب مؤخرا.
حكومة الخرطوم بدت واثقة من اجتيازها امتحان الأشهر الستة عبر المضي في تنفيذ التزاماتها مع الحكومة الأمريكية وذلك بعد الاتفاق على العمل عبر خمسة مسارات بينها محاور إنسانية تتصل بالوضع الداخلي بمناطق النزاع وأخرى تتصل بقضايا إقليمية بالمساهمة في تحقيق الاستقرار في دول جنوب السودان.
اليوم التالي