الأمثال وما بها من جمال وضلال
485تناولت كثيرا في مقالاتي الصحفية، الأمثال والحِكَم الشعبية السودانية وصنفتها الى نوعين: أحدهما مخزون موروثات من الحكمة، وبالتالي ينبغي أن يعتد ويهتدي بها الناس، والثاني كتبلاص، مثل إعلاناتنا التلفزيونية التجارية، مجرد كلام مسجوع، وقد يحث على الانهزامية والخنوع، وسوء الرأي والتقدير »المرأة إن بقت فاس ما بتشق الرأس« و« الراجل افجخي بصلة قبل ما يبقى أصلة«،«أنا أصلي مارق للربا والتلاف«، بلداً ما بلدك امشى فيها عريان«،«جلداً ماجلدك جر فيهو الشوك«، أما قمة الحث على الانهزامية والاستسلام للظروف فهو«كان كترت عليك الهموم ادمدم ونوم«.
وهناك أمثال فيها الكثير من الطرافة، وقد تكون جارحة لمشاعر البعض، وقد تكون حبلى بالمعاني: ترتر وحرير على غطاء زير / ربنا ريح العريان من تعب الغسيل / أعرج يسحب مكسح، يقول ليهو تعال نتفسح / »عندنا دعاء نوبي ممعن في الخبث، وهو بأن يتعرض الشخص المدعو عليه للدغة »مقرِبِن سِقِد« أي عقرب المغربية، بافتراض أن العقارب التي تخرج من جحورها في المغارب أكثر سمية« / شفت الزول حسبته هول »يعني طلع فاو« / شنب ما تحته فلوس يحتاج له موس / صاجك ما يقلي وكفتيرتك ما تغلي وأنا جيتك من قلة عقلي / الطول طول نخلة، والعقل عقل سخلة/ »وعكسها: قصير يا حكمة يا فتنة«/ كان غلبك سدها وسع قدها »يعني زيد الطين بلة، وإذا باظت المسألة خليها تبوظ زيادة«.
ولعل مرد ولعي بالأمثال الشعبية أن فيها بلاغيات تغني عن اللت والعجن في الكلام والكتابة، وحرصت على اقتناء العديد من الكتب التي تعنى بالأمثال السودانية والمصرية وتوصف اللغة الإنجليزية بأنها idiomatic أي تكثر فيها التعابير المجازية بحيث تكون معاني الكثير من التعابير فيها، مغايرة لمعاني ظاهر الكلمات،وأحفظ الكثير من الأمثال المصرية بسبب عنصر الطرافة الكامن فيها، وقد استخدمت كثيرا في مقالاتي مثلين مصريين هما: يموت الزمار وصوابعه بتلعب، ويعني أن من شب على شيء شاب عليه، و«عديم البخت عضه الكلب في المولد»، وقطع شك، فإن شخصا يستهدفه كلب في ساحة مولد من بين عشرات الآلاف من الناس »نحس«.
وفي ذات زيارة للقاهرة اشتريت كتاب الأمثال العامية للعلامة أحمد تيمور، وبدأت أقلب صفحاته، وابتسم أحيانا وأهز رأسي في إعجاب او استخفاف أحيانا أخرى، إلى أن توقفت عند مثل يقول: حبيبك اللي تحبه ولو كان نوبي. يعني من دخل قلبك يستحق لقب حبيب ولو كان »نوبيا«!! لا، لم يقل نوبي »حاف« بل جاءت الكلمة مسبوقة بكلمة تقليل ، وتخيل حال أبو الجعافر العامل فيها أبو عرام ويتباهى بمناسبة وبدون مناسبة بأنه سوداني نوبي وابن بلد أصلي، ثم يأتي علّامة مصري ليقول ان المصريين كانوا ينظرون اسيادنا ، بس ما فيهاش حاجة لو »حبيت« واحد أو واحدة منهم. »لا اريد إشعال النيران، بأن أعيد للأذهان السفالات اللفظية لمقدم البرامج التلفزيونية المصري الذي وصف السودانيين باوصاف لا تستحق الاشارة ، ويطيب لي أن أعرض عليه هنا أمرا لنعرف من هو الاصيل : رئيس بلادي هو المشير عمر البشير وهأنذا أهتف »تسقط حكومة البشير«، وأتحداك أن تغلق حمام بيتك بعد ان تترك التلفزيون يلعلع بأعلى صوت في الصالة ثم تهمس: تسقط حكومة المشير السيسي، ولا أطرح هذا التحدي من منطلق أن السلطات الأمنية في بلادي س«تفوِّتها« لي، ليس احتراما لحقي في التعبير، بل نكاية بك وبأمثالك، بل تعرف تلك السلطات أنه لم يحدث أن ذكرت على مدى 27 سنة حكومة بلادنا بالخير، ولكني وملايين الأحرار في السودان، لسنا من صنف »اللي يتجوز أمي أقول له يا عمي««.
ثم صدرت طبعة جديدة من الكتاب وقد صار فيها ذلك المثل »حبيبك اللي تحبه ولو كان نوحي«، نوبي صارت نوحي، وهي كلمة لا وجود لها في القواميس العامية او الفصيحة ولكن من أصدروا تلك الطبعة أدركوا أن المثل بصيغته القديمة، جارح لمشاعر النوبيين المصريين وبقية »البرابرة« فاستبدلوا الباء بالحاء.
زاوية منفرجة – جعفر عباس
صحيفة الصحافة