* قرأت ما جاء فى مقال الأستاذ على عسكورى المنشور بصحيفة (الراكوبة) الغراء، حول الحاضنة الاجتماعية السودانية التى أفرزت جماعة مشوهة مثل (الحركة الاسلامية) وما تتصف به من كل سوءات الدنيا من انانية وفساد وشهوة للعنف وسفك الدماء ..الى آخر ما حمله المقال الذى يقول فى بعضه:
* “المجتمع السودانى مجتمع مريض يعانى من وباءٍ عضّال يتجسد فى الجهل، الشوفونية، النفاق، الكذب والتدليس وخداع الذات وحالة الإنكار للواقع والإدعاءات الجوفاء والإعتقاد فى الخرافات و الأوهام. هذه الصفات صفات مشتركة بين ” المركز والهامش” وبين “اليسار واليمين” بل تشمل الغالبية الساحقة، التى تمثل جماعة الترابى أو مايسمى بـ(الحركة الإسلامية) تجسيداً رائعاً لها. فجماعة الترابى لم تهبط من السماء، إنما خرجت من بين ظهرانينا، ولذلك علينا ان ندرس لماذا تخرج من مجتمعنا تلك النفوس والعقول المشوهة! لابد ان هنالك شئ متعفن فى مملكة الدنمارك”!!
* رغم أننى لا أتفق مع الاستاذ عسكورى فى هذا التعميم المخل، إلا أننى ومن خلال الكثير من التجارب الشخصية، وتجارب الكثيريين، وآرائهم وأحاديثهم وانطباعاتهم، خرجت بنتيجة هى أن كثيرين منا يتصفون بصفة ذميمة وهى الحسد، فكتبت مقالا تساءلت فيه “هل نحن شعب حاسد ؟”، وطلبت من القارئ قبل الإجابة على السؤال أن يتذكر رد فعل الآخرين، الجيران الأصدقاء، والأهل (ما عدا الأم والأب والأبناء والإخوان والزوجة)، تجاه ظروف خير معينة مرت به، أو بأحد أفراد أسرته المباشرة.. الحصول على وظيفة محترمة (مثلا)، أو شراء عربة جديدة، أو النجاح في الدراسة أو العمل، أو أي نجاح آخر؟!
* ماذا ترى فى عيون الآخرين عند سماع النبأ.. هل تحس بفرح حقيقي يغمرهم، أم بمشاعر مزيفة يصطنعونها أمامك، وكلمات جوفاء يهنئونك بها، بينما تمتلئ دواخلهم بالغيرة والحسد؟!
* وعلى النقيض إذا مررت بتجربة مؤلمة.. طلاق مثلاً أو سجن، أو مشكلة مالية أو أية كارثة أخرى (ما عدا الموت)، هل حاولوا مساعدتك بشكل حقيقي أم أظهروا تعاطفاً شكلياً ووقفوا يتفرجون عليك، إن لم يشمتوك وراء ظهرك؟!
* جاء هذا الحديث صدفة عندما كنت أتحدث مع بعض الأصدقاء في بعض قضايا الشأن العام، وتطرقنا لأداء الصحافة الرياضية التي تشوبها المهاترات والمطاعنات والملاسنات الحادة التي يجب ألا تعجب أي شخص سوي مهما كان متعصباً لفريقه، وبرغم ذلك تحظى بجمهور كبير من القراء، وكان تحليل أحد الأصدقاء أن السودانيين يعشقون مثل هذه الكتابات ذات الاتهامات والعبارات الجارحة، لأنهم يجدون فيها متنفساً لمشاعرهم العدائية، وكرههم لبعضهم البعض، وعندما أبديت رأياً مغايراً طرح علىّ الأسئلة التي طرحتها عليكم في بداية هذا الموضوع وطلب مني الإجابة عليها بصراحة وصدق، ولكي أكون صادقاً معكم فلقد جاءت معظم إجاباتي متوافقة مع رأيه، فعندما مررت ببعض الظروف السعيدة رأيت في عيون الكثيرين علامات الغيرة والحسد، وعندما مررت ببعض الظروف السيئة لم أجد مساعدة إلا من القليلين، بل أحسست بأن بعضاً ممن ساعدني لم يفعل ذلك بنية صادقة وإنما من باب التظاهر، ولقد برهنت الأيام صدق إحساسي!!
* واصل الصديق حديثه بمجموعة أسئلة.. لماذا كل مشاعر الكراهية هذه بيننا منذ وقت طويل، لماذا كل من يجلس على كرسي السلطة يحرم منها الآخرين، لماذا لا نرى إلا عيوب بعضنا البعض، لماذا يزعجنا أن ينجح غيرنا فنحاول أن نبخس هذا النجاح بإطلاق الشائعات أو الارتياح لسماعها.. لماذا كل هذا الحقد والعداء بين مشجعي الكرة والمهاترات البشعة في الصحف بما يتجاوز كرة القدم؟!
* كانت إجابتي إنها الطبيعة البدوية الفظة المتجذرة في نفوس السودانيين، بما لديهم من استعداد فطري للقتال وعدم لباقة، وجنوح نحو الغلو عند العلو، والخنوع عند الحاجة، غير أنه أصر علىّ أنه الحسد والحقد، فهل نحن بالفعل هكذا؟!
مناظير – زهير السراج
صحيفة الجريدة