بموازاة خفوت أصوات الداخل، نتيجة إعلان حكومة الوفاق الوطني بعد طول لأي وانتظار، وحلول شهر رمضان المعظم الذي يعتبر شبه عطلة سياسية في السودان، تتعالى أصوات الخارج بشدة.
ويرتقب السودانيون، حكومة وشعباً، قرار الإدارة الأمريكية الخاص بما إذا كان سيتم رفع اسم السودان من قائمة العقوبات الاقتصادية بصورة نهائية، ذلك مع قرب انتهاء المهلة الممنوحة للسودان لتحسين سجله الحقوقي والدبلوماسي.
وإن كانت قرارات يوليو المرتقبة كفيلة ببعث كل جلبة، فإن قضايا أخرى لا تقل ضجيجاً، كمحل الخرطوم في التحالف العربي الذي تقوده الرياض ضد الحوثيين في اليمن، وما يجري على الحدود المصرية، فضلاً عن وجود السودان في منزلة بين المنزلتين بين الرياض والدوحة اللتين تشهد علاقاتهما ارتباكاً غير مسبوق.
واثق الخطوة
بأي حال يصعب لملمة كل هذه الموضوعات في تقرير لا يصل سقف الألف من الكلمات، ولكن لنجعل قراءاتنا مبنية على حديث السفير السعودي لدى الخرطوم، علي بن حسن جعفر، لقناة “النيل الأزرق” وأطلق خلالها بشريات للشعب السوداني برفع كامل للعقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة على السودان منذ عقدين زمانيين.
ومما قاله السفير إن (المملكة العربية السعودية قامت بجهود كبيرة وحثيثة لرفع العقوبات الاقتصادية الظالمة على السودان وكانت نتائجها واضحة بحمد الله للعيان، وإن شاء الله نسمع الخبر السعيد قريباً برفع كامل للعقوبات عن السودان).
ووضعت واشنطون السودان ضمن قوائم الإرهاب منتصف التسعينيات، نتيجة علاقات الخرطوم مع جماعات تصنفها الولايات المتحدة بالإرهابية. وإثر تطورات عديدة، أصدرت إدارة الرئيس باراك أوباما أمراً تنفيذياً يقضي برفع العقوبات بصورة جزئية، مع إمهال السودان ستة أشهر لاحراز تقدم ملموس في عدة ملفات تشمل العلاقة مع جنوب السودان، وتوصيل المساعدات الإنسانية لأهالي المنطقتين (جنوب كردفان – النيل الأزرق)، ومناهضة جيش الرب، ومكافحة الإرهاب والاتجار بالبشر، وتحسين سجل حقوق الإنسان.
إقرار
لعبت الرياض وأبوظبي أدواراً بارزة في إزالة فتيل التوتر بين (الخرطوم – واشنطون) وهذا باعتراف الرئيس السوداني عمر البشير الذي قدّم غير ما مرة الشكر للعاصمتين العربيتين وجهودهما في نقل السودان في الذهنية السياسية الأمريكية من خانة العداء وفتور العلائق إلى خانة أقرب للتطبيع.
وكان لانتقال الخرطوم من المحور الإيراني الى المحور العربي السني بقيادة السعودية، بالغ الأثر في إعادة تصنيف الخرطوم خارجياً، حيث تحولت إلى حليف لواشنطون بانضمامها إلى تحالفات تجد السند والمباركة الأمريكية.
ابحث عن الاقتصاد
تأتي تصريحات الدبلوماسي السعودي، في وقتٍ تكثر الأحاديث عن اقتراب أوان الرفع التام للعقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على السودان مع إزالة اسمه نهائياً من قوائم الدول الراعية للإرهاب.
ولكن رغم كل تلك الآمال لا تزال المخاوف قائمة بأن يجري تمديد لمهلة التقييم المقدرة بستة أشهر وابتدرت في يناير المنصرم، وعليه تمثل تصريحات المسؤول السعودي بارقة أمل جدية، بحسبانها تأتي على بعد أيام من وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الرياض لحضور أعمال (القمة العربية الإسلامية الأمريكية).
وينبّه الباحث السياسي، محمد نورين، إلى أهمية تدخل السعودية في المرحلة الحالية، لرفع العقوبات عن السودان، عبر إزالة أي هواجس امريكية.قائلاً لـ (الصيحة) إن وجود استثمارات (سعودية – أمريكية) وإبرام صفقات بمليارات الدولارات، سيجعل من توصية السعودية بحق السودان، ملزمة، وبالتالي فإن أي تصريحات سعودية في هذا الخصوص، تؤخذ على محمل الجدية.
الضفة الأخرى
ينقل أستاذ العلوم السياسية، د. مهدي دهب، أنظار قراء (الصيحة) تلقاء نقطة مغايرة، حيث نبّه الى أن رفع العقوبات الأمريكية جاء نتيجة بواعث موضوعية على رأسها تحييد اللوبيات المعادية للسودان على التراب الأمريكي.يقول دهب إن انفصال جنوب السودان في العام 2011م أنهى عداء اللوبي الكنسي المسيحي بحسبان تأسيس دولة جديدة ذات غالبية مسيحية، وقضى على مطالبات اللوبي (الأفرو – أمريكي) بحسبان حصول الجنوبيين على حقوقهم السياسية.وعقب مواقف السودان الأخيرة المتشددة حيال أيران وصلت إلى حد طرد بعثة طهران الدبلوماسية من الخرطوم، فإن اللوبي الصهيوني بات اقرب الى الحياد فيما يخص المشكلات السودانية، خاصة وأن الخرطوم نشطت جداً في مجال وقف تدفق السلاح من أراضيها، ووقفت حجر عثرة دون تجار البشر.بالتالي يخلص دهب الى أن دور السعودية في رفع اسم السودان من قائمة العقوبات الأمريكية ثانوي، ويرتكز في الأساس على إفساح الرياض المجال أمام الخرطوم للالتحاق بالحلف العربي الذي يجد السند من الإدارة الأمريكية.غير أنه لن يكون مهماً البتة، من يقف وراء رفع العقوبات الأمريكية على السودان، بقدر ما تهم النتيجة النهائية، لكن لا تنتطح عنزان في حاجة الخرطوم إلى كل مسانديها قبيل قرارات يوليو المصيرية.
حياد
نقطة أخيرة ويمكن أن تكون ذات صلة بكل ما أثير، وتتصل بزيادة نبرة التوتر بين (الرياض – الدوحة)، وانعكاسات ذلك على الخرطوم التي تمتلك علاقات جيدة بكلا الطرفين.
وتراشقت وسائل الإعلام في الرياض والدوحة، بعد نسبة أحاديث لأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، قال فيها بفتور العلائق مع دول الخليج مقارنة بأيران وإسرائيل.وبالرغم من تأكيدات الدوحة بأن الخبر المنشور في وكالة الأنباء الرسمية “قنا” غير صحيح بالمرة، وأن موقع الوكالة تعرض لقرصنة الكترونية؛ فإن تداعيات الخبر لا تزال تتوالي بشكل مستمر، خالقة حالة اصطفاف غير مسبوقة.
وعن المسافة المناسبة للسودان بين (الرياض – الدوحة) قال د. مهدي دهب بوجود عاملين رئيسين يعصمان الخرطوم حشر نفسها في خانة (مع وضد).
قائلاً إن التزام الدوحة بعضوية مجلس التعاون الخليجي، وعدم رغبتها في إثارة حفيظة الولايات المتحدة، سببان كافيان لعودة علاقاتها مع الرياض مستقبلاً. وعليه قدم دهب نصيحة لها من اسمه حظ، حين قال إن على الخرطوم اللعب على تقريب شقة الخلاف بين الجارين إن استطاعت، وإلا فعلى عاصمة عدم الانحياز الوقوف على مسافة واحدة من كلا الطرفين.
الصيحة