* لم أجد أفضل من قصة كان قد بعثها لى استاذ التاريخ المعروف الدكتور فيصل عبدالرحمن علي طه، لنشرها أو إعادة نشرها اليوم، لعلها تكون عبرة لساستنا وحكامنا في هذا الزمن الصعب الردئ!!
*يقول الدكتور طه:
* في إحدى زيارات المغفور له بإذن الله العم أمين التوم لابنه دكتور عبدالله في أبوظبي، دار بيننا حديث عما كان يُنشر ويتواتر آنذاك عن استشراء الفساد، وفي هذا السياق ذكر لي العم أمين أنه بعد سقوط الحكومة القومية التي تشكلت في فبراير 1956 برئاسة المرحوم إسماعيل الأزهري، ائتلف حزبا الأمة والشعب الديمقراطي وشكلا في يوليو 1956 حكومة برئاسة المرحوم عبدالله خليل، وأسندت له هوـ أي العم أمين ـ وزارة شؤون رئاسة مجلس الوزراء.
* وحسبما روى العم أمين، فإن أول ملف وضع أمامه بعد توليه تلك الوزارة؛ كان مذكرة من المراجع العام قال فيها إنه لن يعتمد ميزانية رحلة رئيس الوزراء آنذاك المرحوم إسماعيل الأزهري لحضور مؤتمر باندونق؛ لأن في بياناتها مخالفة. أما المخالفة فقد كانت شراء عطور وثياب من ميزانية الرحلة.
* بعد تروٍ استدعى العم أمين المرحوم الأستاذ محجوب الضوي، وهو من جيل الأزهري وزميله في بعثة بيروت، وفي التدريس بكلية غردون، وكان يعمل في رئاسة مجلس الوزراء بعد تقاعده عن العمل في وزارة المعارف. طلب العم أمين التوم من محجوب الضوي أن يحمل مذكرة المراجع العام إلى الزعيم الأزهري في منزله بأم درمان، وأن ينقل إليه تحيات واحترام ابنه وتلميذه بالكلية أمين التوم، ويلتمس توجيهه في كيفية التعامل مع مذكرة المراجع العام.
* في اليوم التالي عاد محجوب الضوي برسالة شخصية من الأزهري إلى أمين التوم، يشكره فيها على وفائه وتقديره لاستاذيته، وعلى حسن تصرفه. أرفق أزهري مع الرسالة مبلغ المخالفة. كما ذيلها باعتذار عن المخالفة، وذكر أنها تمت بدون علمه. من ثم سُدد مبلغ المخالفة في خزينة مجلس الوزراء، وأُرسل الوصل إلى المراجع العام وأغلق الملف.
* ربما تكون في صدور كثيرين غيري أحداث شيقة مثلما رويت، فأدعوهم من خلال بابكم هذا لتسجيلها، فلعلها تكون بمثابة اعتذار من جيلنا إلى الجيل الذي ولى، فقد ظلمناه ومازال بعضنا يظلمه. إن ذلك التاريخ قد قبر ولكن تبقى منه عظة الدرس والعبر.
فيصل عبدالرحمن علي طه
مناظير – زهير السراج
صحيفة الجريدة