زيارة في توقيت حساس .. غندور في القاهرة.. طبيب الأسنان في مهمة (بناء جذور)

الخرطوم: الطيب محمد خير

أماط المستشار السياسي والإعلامي لرئيس الجمهورية، د. عبد الملك البرير، على نحو مفاجئ، اللثام عن زيارة مرتقبة لوزير الخارجية بروفيسور إبراهيم غندور إلى العاصمة المصرية القاهرة الأسبوع المقبل، ويبحث غندور في الزيارة طبقاً لما هو معلن العلاقات بين البلدين في ظل التطورات الراهنة. وبعيداً عن الملفات الرابضة على طاولة الطرفين، تأتي زيارة طبيب الأسنان في ظل تطورات غير مسبوقة، وبعد أيام فقط من أكبر أزمة تصعيد تشهدها علاقات البلدين منذ تسلم الإنقاذ مقاليد السلطة في البلاد شهر يونيو للعام 1989م.

وأشار الرئيس عمر البشير، بأصابع الاتهام للقاهرة، وقال إنها متورطة في الهجوم الأخير الذي نفذته الحركات المسلحة مطلع الأسبوع الماضى على ولايتي شمال وشرق دارفور، قائلاً بصريح العبارة إن المدرعات المصرية شاركت في الهجوم، معرباً عن أسفه من تدخل مصر بصورة مباشرة في الشأن السوداني الداخلي ما جعل الجميع يتوقعون أكبر أزمة تصعيد تشهدها العلاقات السودانية المصرية، وقد تفضي إلى سحب البعثات الدبلوماسية كخطوة استثنائية، وذلك طبقاً لما يرى كثيرون.

مشكلات عويصة

تظل مشكلة مثلث حلايب الذي تحتله مصر، أكبر معضلة في مسيرة علاقات البلدين، حيث ترفض مصر التحاكم الدولي حول المنطقة التي تقر خرائط الفترة الاستعمارية وخرائط الأمم المتحدة بتبعيتها للسودان. ومن ثم فإن موقف السودان الساعي للحفاظ على مصالحه المتحققة من مشروع سد النهضة الإثيوبي؛ موقف يثير الحنق المصري، وبمقتضى ذلك تحملت الخرطوم الإعلام المصري الذي يلومها على موقفها في الحدود الدنيا، فيما لا يجوز ذكر ما يقال عند من لا تحد أخلاقهم سقوف. ويذكر أن موقف السودان الرافض لدخول بعض المنتجات المصرية غير المطابقة للمواصفة، تسبب في كيل هجوم غير مسبوق على الخرطوم في وسائل الإعلام المصرية، وذلك بالرغم من أن واشنطون رفضت إدخال (الفراولة) المصرية بحسبانها سبباً في الإصابة بفيروس الكبد الوبائي.

وفي الصدد علينا أن نذكر الخلاف التاريخي حول أقدمية الحضارة السودانية على نظيرتها المصرية والمغالطات التي ابتدرت مع زيارة الشيخة موزا لمنطقة البجراوية الأثرية، فضلاً عن إعمال السودان مبدأ التعامل بالمثل في فرض تأشيرات دخول على المصريين، الذين لا تطبق دولتهم اتفاق “الحريات الأربع” الموقع منذ سنوات. وسياسياً، نفت القاهرة مؤخراً ما تناقلته مراصد إعلامية عن تنسيق ثلاثي (مصري، يوغندي، جنوب سوداني) لزعزعة الأمن في السودان، وفي المقابل تنفي الخرطوم باستمرار دعمها للجماعات التي تصنفها القاهرة على أنها جماعات إرهابية.

بحث اتهامات

يقول المحلل السياسي د. عبد الله علي إبراهيم إن زيارة غندور إلى القاهرة خطوة تريد منها الحكومة مراجعة وملاحقة ذيول الاتهام الذي وجه لمصر بأنها تتدخل مباشرة في النزاع الدائر في إقليم دارفور، مضيفاً في حديثه مع (الصيحة) بأن مثل هذا النوع من الأخبار مزعج للغاية وغير مسبوق، خاصة في ظل عدم قدرة قائد أو زعيم سوداني على تحمل وزر القطيعة بين الجانبين، خاصة وأن التصريحات السودانية الأخيرة أقرب لأن تقرأ في سياق (الباب يفوت جمل)، لا سيما وأن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد أعلن أن بلاده لا تتأمر ولا تقوم بأي إجراءات خسيسة تجاه الدول وبلاده تعتمد الحوار في حل نزاعاتها.

قبلية

يرى د. عبد الله أن زيارة غندور كان ينبغي أن تسبق التصريح بالاتهام لمصر بالتورط في الهجوم على دارفور، لأنها حينها كانت تشكل فرصة للمراجعة خاصة وأن السودان لديه دليل مادي على هذا الاتهام، وكان من الأفضل أن يسبق عرض الدليل المادي التصريح بالاتهام، وتتم المطالبة بلجنة تحقيق محايدة وعلى مستوى عالٍ لمعرفة من أين جاءت هذه المركبات المصرية المشاركة في الهجوم.

لكن بهذه الزيارة – والحديث لعبد الله- يكون السودان وضع العربة أمام الحصان، متوقعاً أن يعرض السودان أدلته المادية أمام القيادة المصرية، معتبراً في خاتمة حديثه الزيارة محاولة لاحتواء الموقف وبدايته من النقطة التي كان يجب أن يبدأ منها بعرض الأدلة بطريقة دبلوماسية مع دولة شقيقة تربطنا معها علاقات أزلية.

مع الأدلة

الخبير الاستراتيجي بروفيسور حسن مكي يصف الزيارة بالمهمة والضرورية وقال إنها مطلوبة في هذا التوقيت، مضيفاً في حديثه مع (الصيحة) بأنه يجب أن يكون الوفد المشارك مشكلاً من الاستخبارات والأمن بطريقة تعكس رؤية السودان، مردفاً أنه لا بد من تزود الوفد بالوثائق والأدلة المطلوبة حول التدخل المصري حتى لا تكون الزيارة طق حنك وبروتكولات (حد تعبيره).

طرف ثالث

مكي ذكّر بأن العالم العربي كله ينزف، وبالتالي هو ليس في حاجة لنزيف جديد، داعياً الدبلوماسية السودانية لأن تكون حاضرة بصورة واسعة في هذا الاجتماع وأن تتم الاستعانة بالدول المهتمة بالعلاقات السودانية المصرية المؤثرة لتكون طرفاً في هذه الزيارة مثل السعودية والإمارات حتى لا يكون السودان معزولاً في المائدة العربية.

تجنب الإيذاء

خلص السفير د. الرشيد أبو شامة إلى أن زيارة غندور تشي بأن الطرفين لا يرغبان في تشويه العلاقات أو بالأحرى قطعها، مشيراً إلى أن الزيارة تشكل فرصة لمناقشة الجانب المصري في تدخله في الشأن السوداني بظهور مركبات عسكرية مصرية في الهجوم الأخير بدارفور.

مضيفاً في حديثه مع (الصيحة) أن السودان أوضح عدم رغبته في قطع علاقاته بمصر، رغم إعلانه بالصوت العالي أنها ضالعة في الهجوم الأخير، بحسبان أن قطع العلاقة يؤثر على السودان في مناحٍ كثيرة أبرزها التجارة خاصة وأن مصر هي الدولة التي تستورد الإبل السودانية، وهناك جوانب استراتيجية أهمها أن السودان مقبل على مرحلة مهمة في رفع العقوبات الأمريكية بشكل نهائي، حيث أنه يمكن للمصريين طبقاً لأبوشامة أن يعملوا ضد هذا المسعى الحكومي والشعبي في السودان، خاصة وأن مندوب مصر سبق أن طلب تأجيل رفع العقوبات في مجلس الأمن، وعليه يرى السفير أنه من الضرروي تحييد المصريين وعدم إعطائهم فرصة للتشويش.

ويلفت أبوشامة أن أي إلغاء لزيارة غندور المجدولة مسبقاً قد يمثل نكسة في علاقة البلدين، ولذلك يذهب غندور لسماع رأي الجانب المصري في تدخلهم ويكشف لهم الحقائق التي بطرف السودان حول التدخل المصري فذلك أفضل من قطع العلاقات.

متابعاً أن المصريين فيهم كثير من العقلاء الذين يفهمون عمق العلاقة الاستراتيجية بين السودان ومصر، ويمكنهم إسداء النصح للجانبين الحكومي والإعلامي بعدم التمادي في العداء مع السودان.

ويختم أبوشامة حديثه بأنه ما من غضاضة في تلبية الدعوة ما دامت قديمة وتشكل فرصة لحفظ العلاقة الأزلية بين السودان ومصر.

الصيحة

Exit mobile version