عندما ساءت العلاقات بين الخرطوم والقاهرة في منتصف تسعينات القرن الماضي، أوفدت الحكومة السودانية في العام 97 النائب الأول لرئيس الجمهورية آنذاك الفريق الزبير محمد صالح إلى القاهرة ، لكونه الشخص المناسب الذي يمتلك بعض مفاتيح المغاليق المصرية ،ولكونه يحظى باحترام القيادة المصرية… يقول الراوي : ومع ذلك قابل الرئيس مبارك الوفد السوداني بوجه عبوس وتقاسيم قاسية لاتبشر بخير، وهو يوجه حديثه للفريق الزبير: (الجماعة دول قبتوهم منين يا الزبير) – يقصد جماعة الإخوان المسلمين أو “الجبهجية” كما نطلق على النظام الحاكم في بلادنا آنذاك – فأجابه الفريق الزبير بكل أريحية وهو يبتسم : (لكن يا سيادتك الجماعة ديل ما جونا منكم إنتو ديل..!! وزاد : نحن نصدر ليكم موية النيل الحلوة دي وإنتو تصدروا لينا جنس الحاجات دي) …يقال أن تلك المزحة التي جاءت على لسان الفريق الزبير كانت كفيلة بكسر كل الحواجز النفسية بين الجانين، وسهلت مهمة الوفد السوداني الذي ذهب يسترضي النظام المصري في عرينه…
والحق أن كلمات الفريق الزبير وإن كانت على سبيل الدعابة والمزح فإنها حق مثلما أنهم ينطقون، فالسودان ظل يتفاعل شعبياً ورسمياً مع القضايا المصرية والخير كله يجري مع النيل من السودان إلى مصر وقدم السودانيون دماءهم رخيصة للدفاع عن مصر في كل النكبات والتهديدات الخارجية التي تعرضت لها المحروسة على مدى التاريخ…
ومصر الآن تحتل أرضنا، وتستفز جيشنا وتدعو رسميا لعدم رفع العقوبات عن السودان وقد علمت أن المتضرر الأكبر من الإبقاء على هذه العقوبات هو الشعب السوداني… ومصر تصدر لنا “القاذورات”، ومصر تكيل لنا السباب والإساءات من إعلامها الرسمي الفاجر الذي ظل ولايزال يسلقها بألسنة حداد أشحة على الخير…
وباختصار شديد مصر تأريخياً هي التي تأخذ من السودان ولاتعطي مثقال حبة من خردل، وما أعطت إلا وهي أخذت الثمن مقدماً…
الآن المعركة مع النظام المصري معركة سياسية ودبلوماسية وإعلامية ، والقضية الآن قضية احتلال مصري لأرض سودانية ، وتهديدات أمنية يغذيها النظام المصري بدعم المتمردين ،فهي ليست مواجهة بين نظامين حاكمين بل إن الصحيح أن المواجهة الآن بين نظام مصري عمد إلى تمصير حلايب السودانية بعد احتلالها وبين الشعب السوداني الذي يحتل الجيش المصري أرضه .
بقلم
أحمد يوسف التاي