بما أنه يصعب الظفر بتصريح خاص من وزير الدولة ومبعوث الرئيس البشير للقمة الإسلامية الأمريكية الفريق طه عثمان بخصوص تفاصيل مشاركته، فإنه لا مفر أمامنا سوى الهروب إلى لغة الجسد، ومحاولة تفسيرها سياسياً وفهمها من خلال ما توافر من صور ومشاهد، جمعت الرجل برؤساء ومسؤولين كبار في قمة الرياض، وتحديداً (اللقطة) النادرة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي تشير بدقة إلى أن الحقيقة تظهر أحياناً مع كل جهود مواراتها، أو التعبير عنها بذكاء .
?قليلة جداً هى المناسبات التي تحدث فيه الفريق طه، بل تكاد تكون معدودة، وبإستثناء حواره مع صحيفة (أول النهار) قبل أكثر من عامين، وحواره الأخير مع صحيفة (اليوم التالي) لا يذكر الناس له منابر أطل منها، حتى يتسنى لنا فهم شخصيته وقراءة أفكاره، وتقريباً حوار (اليوم التالي) تم بإيعاز من الرئيس البشير، ولرسائل وهدف محدد وقتها، وكان ذلك بالتنسيق مع الأستاذ محمد لطيف الصهر المقرب جداً من بيت الضيافة، ولو لم يكن الحوار جاء عقب قرار رفع العقوبات الأمريكية عن السودان، لما كشف طه عن تلك المعلومات المثيرة، والتفاصيل التي أوضحت كيف أننا إزاء شخصية جريئة وملمة بكل أسرار العمل الدبلوماسي والمخابراتي وكواليس صناعة القرار، لدرجة أنه يتمثل عبارة بول فير الشهيرة “يا ناثانيل أوصيك بالدقة لا بالوضوح”
? أكثر الصور تداولاً على مواقع التواصل الإجتماعي أمس واليوم هى صورة الفريق مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عندما كان يقف بمحاذاته ثابتاً ومبتسماً، يتجاذب معه أطراف الحديث كما لو انه نظيره، بل إنتبه لملاحظة جديرة بالالتقاط وهى وقوفه يساراً لتظهره الكاميرا ضاغطا بالكامل على معصم ترامب، ولا يبدو على الإطلاق أنه يقف عند عتبه رئيس أقوى دولة في العالم، يعتقد الكثيرون عدم رغبته حتى في سماع إسم السودان .. وبلا موارية يمكننا القول أن الفريق طه ذكره بالغائب الحاضر الذي يمثله، وقدم تقريراً مختصرا حول مشاركته، قبل أن يسحب يده التي أحكمها بقوة، ويزجي كيف عانت بلاده من الحصار الأمريكي عشرات السنين وبقت صامدة واليوم تنشد علاقة عادلة مع رغبة صادقة في التعاون المثمر، لأن طه هنا يختزل مجمل واقع الحال في مشهد مشحون بالدلالات أكثر من كونه يريد أن يبدو كرجل أمريكا والخليج في السودان .
? لو تصفحنا ألبوم بعض صور الرؤساء والمسؤولين العرب وهم يصافحون ترامب، يمكن أن نقرأ فيها ذلك الشعور الكامن بالضعف والانكسار، لكن طه ببراعة فلت من الفخ المنصوب بعناية، ليقول أنه جديراً بالثقة، ومحط للأنظار، حتى أن مسؤولة أمريكية شقراء كانت تراقبه بإهتمام بالغ وتتطلع فيه، ما يعني أن الإيحاء بالقوة والثبات لا تُخفى، بجانب أن عملية استقبال المعلومات عن طريق الوسائل المرئية بالنسبة لعقولنا أسهل بكثير من توصيلها عبر الرسائل الصوتية، وبالتالي فإنه لا مناص من القول أن تمثيل طه للرئيس البشير في تلك القمة كان قراراً مدروساً، وتكمن فيه أكثر من رسالة، ويبدو أنه تدرب جيداً على اظهار المعاني الإيجابية قبالة الاضواء وكاميرات التلفزة العالمية .
?المثير في الأمر أنه حتى في الصور الأخرى تجلت ذات المعاني التي تشير إلى أننا قبالة مبعوث رئاسي ناجح وهميم ورجل مهام خطيرة بالفعل، تجلى أكثر اثناء ظهوره مع وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، والذي وقف معه بشموخ السودانيين وأحاطه بيده اليسري وصافحه باليمنى، على طريقة الساسة والدبلوماسين الكبار، وتُظهر هذه الصورة تحديداً مشهد الأخذ بزمام المبادرة، إن لم يكن مرادف اليد العليا، لكن المهم أنه تحدث مع ريكس دون حاجة لمترجم، وبتفاصيل أوفى، ما يعني أن الفريق يجيد اللغة الأنجليزية، ويتحدثها بطلاقة، وينقل بها أفكار ومعاني سياسية أكثر من كونها تحايا عابرة .
? أما ظهوره برفقة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فإن صورته لا تخلو من الإيحاء بإستئناف حديث منقطع، ورسائل تعبر عن احتجاج وعتاب سوداني جراء سلوك القاهرة تجاه الخرطوم وتصرفات الإعلام المصري.. تنتقل ذات الكاميرا لمواقع أخرى وتجمد وقفته بجوار ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، حيث تنزاح غلالة رقيقة عن صداقة ورفقة تتسم بالود، وأدوار كبرى يقومان بها لصالح البلدين، كما تصلح تلك الصور جميعها، أن تكون بمثابة رد بليغ على المتشككين في قدرات الرجل، ومهاراته السياسية، وبروزه كمبعوث مؤتمن واستثنائي، يحاول تعويض فادح الخسارات والتخبط القديم ومحاولة الركوب على ستة جياد في زمن واحد .