بكري في البرلمان

اهتمام واضح حظي به خطاب النائب الأول لرئيس الجمهورية رئيس مجلس الوزراء القومي الفريق أول ركن بكري حسن صالح فى البرلمان أمس، مرد الاهتمام أنه أول خطاب لرئيس الوزراء الذي تم تعيينه مؤخراً كنتاج لمخرجات الحوار، الخطاب حمل فى طياته أبرز المرتكزات التى ستكون عماد برنامج حكومة الوفاق الوطني، بجانب أولوياتها خلال المرحلة القادمة.

صون المال العام

النائب الأول لرئيس الجمهورية رئيس مجلس الوزراء القومي الفريق أول ركن بكري حسن صالح بدأ خطابه فى البرلمان بقوله (قدر الله العلي أن يضع فوق كاهلي إبتلاءً، أدعو متضرعا أن يفيض فيه توفيقاً وإعانة، فإنه لم يغب عن عقلي وقلبي مطلقاً ثقل الأمانة التى أستشعر جسامتها، وإن العزاء ليكمن فى ما أراه من جذوات للأمل فى عيون الناس متقدة، يحدوها الرجاء بأن يفضي تكليفي إلى سلام واستقرار وفسحة من رخاء في العيش وراحة من العناء فى دروب الحياة)، وأضاف قائلاً ( إن هذا الأمل المشرئب فى أنظار أبناء وبنات شعبنا الأبي هو ما ينير لى عتمة الطريق، ويشحذ فى نفسي العزم لقهر الصعاب) ، واتجه رئيس الوزراء للقول بأن هنالك (5) مرتكزات ستكون عماد برنامج حكومة الوفاق الوطني، قال إنها تتمثل أولاً فى أن تعمل الحكومة الجديدة بروح الجماعة بعيدا عن التعصب الحزبي أو الجهوي أو الفكري، مقدمة روح الانتماء للوطن على كل انتماء، خادمة لشعبها دون تمييز، وأمينة على أمنه دون تراخ، وساهرة على مصالحه بكل جلد، وصائنة لحقوقه وحريته دون تهاون، ثاني مرتكزات برنامج الحكومة تمثلت فى أن تحافظ على نظافة اليد وصون المال العام ومنع كل ما يفضي الى الإثراء بغير حق، ثالث المرتكزات هو أن تعلي الحكومة من شأن المؤسسية بحسبانها حامية من النزوات الشخصية التى تخنق القرار المؤسسي وتحيله مطية لحكم الفرد، المرتكز الرابع هو أن تحكم الحكومة التنسيق بل التكامل بين المؤسسات الثلاث ليؤدي كل منها الدور المنوط به فى إعلاء قيم الحق وصون الحقوق، خامس المرتكزات هو أن تبسط الحكومة الحريات فلا يكون ثمة حرمان ولا إقصاء ولا امتياز لفئة دون أخرى، ليتسع وعاء المشاركة بقدر اتساع مساحة بلادنا وسماحة أهلها، وقطع صالح بأن هذه المرتكزات تمثل عماد برنامج الحكومة الذي لن يحيد عنه مطلقاً، التزاما بالأمانة وأحتراماً لتطلعات الشعب، ومضي للقول بأن توافق أبناء الشعب واجتماعهم على برنامج وطني واحد تجلي به الحوار الوطني الصريح والعميق، لتنهض منه حكومة الوفاق الوطني لتجسد ذلك التوافق والاصطفاف الوطني، وأكد صالح أن المشاورات التى تمخضت عنها حكومة الوفاق الوطني لم تكن بالأمر اليسير، بل كانت عملاً دؤوباً ومضنياً، وقال (بقدر ما كانت ساحة أظهر فيها شركاء الحوار قدراً وافراً من الحكمة والصبر والتعاون والحرص على التوافق لمصلحة البلاد)، وأضاف قائلاً: ( على الرغم من صعوبة ذلك فقد وفقنا الله فى المسعى الذي كللته جهودهم وصدق نواياهم)، وأشار إلى أن مشروع الوثبة الذي بادر بطرحه رئيس الجمهورية للعبور بالبلاد إلى تلكم التطلعات قد بلغ درجة من النجاح، وقال إنه وعلى الرغم من أن منصب رئيس مجلس الوزراء قد استحدث بموجب التعديلات، فإن المنصب ليس بالأمر الجديد على البلاد، إذ كان مشهوداً فى رصيد تجاربنا الوطنية- وإن تباينت الأطر الدستورية- وأضاف( جدير بنا أن نشير إلى إسماعيل الأزهري وعبد الله خليل وسر الختم الخليفة ومحمد أحمد المحجوب والصادق المهدي وبابكر عوض الله والرشيد الطاهر بكر والجزولي دفع الله).

مساءلة ومحاسبة

وأتجه رئيس الوزراء للتأكيد على أنهم سيستندون فى أدائهم التنفيذي على الدستور الإنتقالي، والخطة الاستراتيجية الثالثة (2017م ــ 2020م) ووثيقة السياسات العامة المتضمنة لكل السياسات الواردة بالوثيقة الوطنية، بجانب المصفوفة التنفيذية لمخرجات الحوار الوطني التى حددت طبيعة الإجراءات الواجب إتخاذها والجهات المسؤولة عن التنفيذ، ومضي للقول بأنه واعتماداً على هذه الوثائق فإن الحكومة ستعكف على تفصيل ما أجمله خطاب رئيس الجمهورية فى الهيئة التشريعية فى عدد من التدابير المتمثلة في:
أولاً: في مراجعة أهداف الوزارات ومهامها واختصاصاتها لإزالة التقاطعات الناشئة فيها، ليتم تضمين ذلك فى المرسوم الجمهوري الذي يحدد اختصاصات الوزارات الإتحادية.
ثانياً: الشروع فى مراجعة الهياكل التنظيمية والوظيفية للوزارات والأجهزة والمؤسسات والهيئات العامة، بما يكفل التماثل الهيكلي والإتساق التنظيمي والوظيفي..
ثالثاً: الفراغ من إعداد الخطة الإستراتيجية الثالثة (2017م ــ 2020م) وقد تضمنت الخطة كل الأهداف والسياسات الواردة فى مخرجات الحوار والوثيقة الوطنية..
رابعاً: إعتزام حكومة الوفاق الوطني العمل على تعزيز مباديء الحكم الرشيد عبر المشاركة والمساءلة والمحاسبة ومحاربة الفساد وسيادة حكم القانون وإحكام التنسيق بينها وبين الأجهزة التشريعية على المستويات الإتحادية والولائية والمحلية لتحقيق الأهداف الوطنية الكلية وضمان سرعة إنجاز المشروعات.

أولويات الحكومة

بالمقابل حدد رئيس الوزراء أولويات الحكومة الجديدة وأجملها في:
أولاً: وضع نهاية أكيدة للاحتراب فى ما تبقى من مواقع النزاعات فى البلاد، إعتدادا بتجربتهم فى التوصل إلى اتفاقيات سلام ناجحة والحوار الوطني الذي تداعت له القوى السياسية الوطنية، بجانب أنهم سيعملون على إنفاذ حزمة من إجراءات بناء الثقة وتوفير الضمانات للمعارضة ترسيخاً لاستحقاقات المجتمع الديمقراطي مع حراسة السلام والتنمية والمكتسبات الوطنية..
ثانياً: معالجة وتخفيف الأثار السالبة للأزمات المالية والاقتصادية العالمية على الاقتصاد الوطني، باعتماد استراتيجية تنويع مصادر الدخل القومي وتحقيق الإصلاح المؤسسي، ومراجعة وتعديل القوانين الخاصة بالقطاع الاقتصادي، فضلاً على ترتيب الأولويات فى الإنفاق الحكومي على المستويين القومي والولائي وزيادة الإنفاق الخدمي والتنموي، مع الإلتزام ببرامج تقشف فاعلة، وقال (كل ذلك إبانة عن اهتمامنا برفع مستوى معاش الناس وتحسين مستوى الخدمات المقدمة لهم)..
ثالث الأولويات: تأكيد الإلتزام بالشراكة الدولية المرسخة لدعائم الأمن والسلم الإقليمي والدولي والعمل الجاد لمكافحة الإرهاب، وجرائم غسل الأموال والإتجار بالبشر، وستمد الحكومة أواصر التعاون مع دول الجوار لتأمين الحدود، بجانب إتخاذ التدابير التنفيذية لمشروع مبادرة السودان لتحقيق الأمن الغذائي العربي والأفريقي..
رابع أولويات الحكومة: الاهتمام بتنمية الموارد البشرية وتطوير البحث العلمي. خامس الأولويات: إتاحة البيئة المواتية ليلعب الإعلام دور التوعية الفاعلة فى نشر ثقافة السلام.

مشاهدات من الشرفة

الوزراء ووزراء الدولة بحكومة الوفاق الوطني الجديدة بدأوا فى التوافد للبرلمان مبكراً لحضور الجلسة، ما كان لافتاً هو الإجراءات التأمينية المشددة التى سبقت الجلسة عند المدخل الرئيسي للبرلمان، قبيل وصول رئيس الوزراء للقاعة المخصصة للجلسة، وقد رصدت (آخرلحظة) وزير الخارجية بروفيسور إبراهيم غندور ووزير الموارد المائية والكهرباء معتز موسى ووزير الاستثمار مبارك الفاضل منشغلون بهواتفهم، بالمقابل خطف وزير الدولة بالاتصالات إبراهيم الميرغني الأضواء فى البرلمان قبل وبعد الجلسة، رئيس الوزراء جلس خلال الجلسة وسط كل من فضل عبد الله وفيصل حسن إبراهيم عن يمينه وأحمد سعد عمر وإبراهيم غندور عن يساره، عدد من وزراء الدولة بينهم وزير الدولة بالخارجية حامد ممتاز جلسوا فى المقاعد الخلفية داخل القاعة، علي عثمان محمد طه النائب الأول السابق لرئيس الجمهورية صافح الوزراء وعدد من نواب البرلمان، وتجاذب أطراف الحديث مع البرلماني والقانوني عبد الباسط سبدرات، عضو البرلمان والقيادي بالمؤتمر الوطني أمين حسن عمر غادر البرلمان قبل انتهاء الجلسة لارتباطه بالحديث فى مؤتمر صحفي عن المشاورات غير الرسمية التى جرت بين وفد الحكومة وحركتي جبريل ومناوي بألمانيا، أثار ذكر أحد النواب الجدد انتمائه لحزب الأمة فى الجلسة إلى نقاط نظام طلبها نواب منتمون لتيارات أخرى فى حزب الأمة، طالبوا رئيس البرلمان بعدم السماح لذلك العضو المعين بتعريف انتمائه لحزب الأمة، الجلسة المخصصة لخطاب رئيس الوزراء بدأت بعد مرور (15) دقيقة من زمنها المحدد، وشهدت الجلسة التي تعتبر الأبرز لأهميتها غياب عدد ليس بالقليل من النواب عن الجلسة.

جرس الخطر

بالمقابل امتدح عدد من النواب خطاب رئيس الوزراء الذي قدمه أمام البرلمان، النواب أشادوا بمرتكزات برنامج الحكومة الذي ركز على مكافحة الفساد وصون المال العام بجانب العمل بروح الجماعة وبسط الحريات، وطالبوا بضرورة أن ترى مفوضية مكافحة الفساد النور.
وطالب النائب البرلماني حسن صباحي بالاهتمام بالمناطق الحدودية الهشة، بجانب الاهتمام بمعاش الناس، وقال (الناس تعبوا حار شوفوا معاش الناس ما دايرين البرتقال والكاتشب دايرين الفيتريتة)، وحول الفساد خاطب صباحي رئيس الوزراء قائلاً ( إنت بتهتم بالوزارات، لكن الكجم فى الولايات). النائبة البرلمانية الجديدة تراجي مصطفى صوبت انتقادات شديدة اللهجة لما أسمتها بالترضيات التى صاحبت تشكيل الحكومة، وشددت على أن ما حدث فى الحكومة تعديل وليس تشكيل، لكنها عادات وقالت إنه لا بأس به، وقطعت بأن وزراء المؤتمر الوطني هم الأجدر بإدارة المرحلة المقبلة، وأكدت حدوث تهميش للأحزاب والحركات التى وصفوها بالصغيرة، وأضافت (الحرب على وشك أن تنفجر داخل الخرطوم بسبب الترضيات لإحزاب فقدت سندها الجماهيري)، وزادت ( الآن أنا أقرع جرس الخطر لأن سلام المحاصصات والسلام الفوقي مهدد للوطن).
في السياق دعا البرلماني مبارك النور الحكومة لطرح مبادرة جريئة لتحقيق السلام، بجانب إتخاذ قرارات شجاعة لحل مشكلات الاقتصاد، وقطع بأن حدود البلاد منتهكة فى كل الجبهات، مطالباً بضرورة تكوين مفوضية خاصة بالحدود وترسيم الحدود مع أثيوبيا، بجانب نشر قوات على الحدود.

المجهر السياسي

Exit mobile version