من الضروري أن نستوعب بسرعة دون إبطاء التحولات الجارية في العالم والإقليم ، وأن نستعد لكل الاحتمالات المتوقعة ونحن نمشي على أرض من الرمال المتحركة وفوق الأشواك ،
فهناك أحلاف جديدة نشأت وتنشأ في المنطقة والعالم، وتبرز مفاهيم مغايرة في العلاقات الدولية سيكون لها أثر بارز في الأوضاع الهشة في عالمنا وخاصة منطقتنا العربية ومجالنا الإفريقي ، ولا تستطيع الدول على طريقتنا وتشبه أوضاعها أحوالنا ، التعامل مع هذه العوامل المضافة بعقل مفتوح إن لم تفهم وتهضم ما يجري من اتجاهات الريح والأحداث بوقائعها ونتائجها ، فتقديرات السياسة يجب أن تبنى على الحقائق الموضوعية والمصالح والمنافع والرؤية الإستراتيجية الكاملة لا غيرها ، وليس على الحالة الظرفية كما يحدث في غالب شأننا العام .
> اذا كانت قيادة الدولة انتبهت من وقت مبكر لأهمية ما حدث خلال السنوات الماضية في ملفات إقليمية في سوريا واليمن وليبيا وقرأت الواقع بكل ما به من تغييرات وتطورات ، وأحسنت اتخاذ الموقف السليم ، فإن عليها اكتساب مزيد من النقاط الإضافية والمحافظة على ما كانت عليه في حلفها الخليجي وتدعيم مكانتها كعنصر مهم في المعادلات الراهنة رغم تأثير عدم مشاركة السيد الرئيس في قمة الرياض بحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والكلفة السياسية لغيابه ، فبعض الأطراف الإقليمية ينتهزون مثل هذه الفرص على مظنة أن إبعاد السودان عن دائرة التأثير في التفاعلات الإقليمية وخاصة العربية سيضمن لها تواجداً أكبر ويعطيها مساحة أوسع في تمرير اجندتها ومن بين هذه الاجندة قصاء الخرطوم .
> و ليس بخاف ، إن التطورات الداخلية في السودان وبما لها من انعكاسات في الخارج ، ستعجل من تعاطينا مع الأطراف الدولية أكثر مدعاة لقراءة دقيقة للمشهد الدولي والإقليمي ، ولا ينفصل واقعنا الداخلي عن ردات الفعل الخارجية عليه والعكس صحيح. فنحن الآن على مقربة من الخروج النهائي من النفق وعنق الزجاجة ، والعالم يتطلع بعد الحوار الوطني وتكوين حكومة الوفاق، الي مسار جديد سيكون عليه السودان كعنصر مهم في كيمياء الاوضاع العربية والافريقية ، فلدينا ملفات مفتوحة مع الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا ، كما أن هناك أدوار يلعبها السودان في إطار الأزمات في هذا الجزء من العالم ، فإن أحسنت الحكومة إدارة هذه الملفات بكفاءة عالية واحترافية جيدة وعقل سياسي مستنير وتعامل براجماتي حريص على المصالح العليا ، سنعبر الى الضفة الأخرى ونحقق العديد من العوائد والفوائد .
> وعليه يمكن القول إنه لم يعد هناك ما هو مخفي ومستتر في اللعبة الدولية ، وما يوضع فوق الطاولة او تحتها بات مكشوفاً للجميع، يمكن التكيُّف مع كل هذه الأمور دون أن نخسر شيئاً فالعالم يتقبلنا كما نحن الآن ، وفي حاجة إلينا بقوة أكثر مما سبق ، ولم تعد الأيدولوجيا مهمة أو أولوية قصوى في عالم ما بعد القطبية الأحادية وظهور القيادات الشعبوية والتحلل من النظريات السياسية السابقة التي كانت تحدد المواقف والاتجاهات ، فأمريكا الآن تتغير بسرعة، وأوروبا في ذات الطريق و روسيا تتمدد جنوباً بقوة مذهلة وتصعد الى أعلى منصات التأثير على القرار الدولي والصين تقترب من ريادة وقيادة الاقتصاد العالمي فهي ثاني اقتصاد دولي بعد الاقتصاد الأمريكي ، والدول العربية منقسمة وضائعة وإفريقيا صاعدة بدورها السياسي و أسواقها ، وكذلك أمريكا الجنوبية وآسيا ، فكل هذه العوامل الإيجابية تفسح لنا مجالاً للبقاء والتحرك خطوات للأمام ، فإن أدرنا هذه الملفات إدارة جيدة وحُسن تدبير، وتقدير يستطيع السودان تعزيز مكانته دون الحاجة الى تغيير جلده ومواقفه او يطلب منه دفع فاتورة باهظة الثمن ..
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة