تنازعتني مشاعر شتى وأنا أتابع أخبار العدوان الذي قام به متمردو حركات دارفور المسلحة القادمون من ليبيا ومن دولة جنوب السودان التي لا تجيد حكومتها غير الكيد والغدر بمن يطعمون جوعاها ويكسون عراتها ويحتضنون الفارين من جحيم حروبها مقدمين بذلك مثالاً حياً وتطبيقاً عملياً للخطاب القرآني النابض بقيم المروءة والتجرد ونكران الذات : (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) بالرغم من أن أولئك المؤثرين على أنفسهم الذين أعلى القرآن من شأنهم لا يبلغ تساميهم وترقيهم في تمثل المثال القرآني درجة إيثار من يغدرون بهم ويسفكون دماءهم ويكيدون لهم آناء الليل وأطراف النهار .
بالله عليكم كم هي عدد الوعود التي قدمها سلفاكير بأنهم كفوا عن دعم الحركات المتمردة بل كم هي عدد المرات التي جاءنا فيها مسؤولوهم بمن فيهم نائب الرئيس تعبان دينق ووزير خارجيتهم دينق ألور وغيرهما ممن ظلوا يتلاعبون بنا ويكذبون علينا كما يتنفسون ثم يطلبون دعمنا وعوننا؟!
وهكذا يظل الجنوب شوكة في خاصرتنا منذ ما قبل الاستقلال حين زرعه الإنجليز طفلاً سيامياً يعوق مسيرتنا ويدمي خاصرتنا وهو جزء منّا ثم يظل عبئاً ثقيلاً علينا حتى بعد أن غادرنا لكنه عبء ملغوم بالقنابل الموقوتة التي تفتأ تتفجر في جسدنا المنهك بمؤامراته وأحقاده الدفينة.
قبل أيام كتبت عن مجموعة من الرعاة من أبناء المسيرية قُتلوا غدراً من قِبل قوات جيش سلفاكير ونُهبت أبقارهم بعد أن دخلوا أرض الجنوب كما ظلوا يفعلون منذ مئات السنين في رحلة الشتاء والصيف بحثاص عن المرعى وعقدت المقارنة بين من يقتلون مواطنينا عندما يدخلون أرضهم وبين مواطني السودان ومسؤوليه حين يستقبلون يومياً – بالغذاء والكساء والدواء – الآلاف من الجوعى الفارين من أهوال الحرب والجوع في دولة جنوب السودان فشتان شتان بين الكريم وبين اللئيم.
اقرؤوا بالله عليكم ما تفعله يوغندا بالقادمين إليها من أبناء الجنوب فقد نقلت قناة (ان تي في) عن رئيس الوزراء اليوغندي روهانكا روغوندا أن بلاده طالبت بدعم تبلغ قيمته (8) مليارات دولار أمريكي لتلبية احتياجات اللاجئين الجنوبيين المقيمين على أرضها خلال السنوات الأربع المقبلة ، مضيفا أن الرئيس اليوغندي موسيفيني والأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس سيعقدان قمة مشتركة الشهر المقبل (يونيو) لبحث سبل إمداد البلاد بالمساهمات المالية المطلوبة لدعم عمليات اللجوء.
يحدث ذلك من يوغندا بالرغم من أن دولة الجنوب لا تكيد لها أو تتآمر عليها أو تأوي المتمردين على سلطانها أو تنشئ فرعاً لحزبها الحاكم داخل أراضيها كما تفعل دولة سلفاكير مع قطاع الشمال الذي يشن الحرب على قواتنا المسلحة من داخل ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.
أما نحن فاننا نفتح البلاد على مصراعيها لكل من هب ودب ونتجاهل التهديد الذي يشكله أولئك اللاجئون على أمننا القومي والصحي والاقتصادي.
هاكم قرائي هذا الخبر الطازج المنشور في صحيفة (اليوم التالي) ، فقد أعلن والي النيل الأبيض عبدالحميد موسى كاشا أن عدد الإصابات بالإسهالات المائية بلغ (975) شخصاً وأن من توفي منهم بلغ (19) شخصاً.
معلوم أن ولاية النيل الأبيض التي تحادد الجنوب تعتبر الأكثر استقبالا للاجئين الجنوبيين ومعلوم كذلك أن دولة الجنوب ، جراء الحروب والمجاعة وانعدام الخدمات ، تنتشر فيها أمراض كثيرة مثل الكوليرا والأيدز وغير ذلك من الأمراض الوبائية المعدية.
أضف إلى ذلك أن الحركة الشعبية (لتحرير السودان) لا تزال تحمل ذات الاسم الذي تستهدف به (تحريرنا!) حتى بعد أن غادر الجنوب السودان بمحض إرادة شعبه الذي(فرز عيشته) بإجماع ربما قل نظيره في التاريخ وقال قائلهم (باقان اموم) يومها وهو يغادر مطار الخرطوم متوجهاً إلى بلاده عشية الانفصال : ارتحنا من وسخ الخرطوم) و(باي باي عرب) لكنه سرعان ما غادر جنته الموعودة هارباً لينجو بجلده إلى أمريكا بعد أن تحطم الحلم وعلم أنه كان موهوماً حين أعماه الحقد الأعمى وساقه وشعبه إلى الانتحار .
الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة