هناك مواقف صعبة تتطلب قراراً شجاعاً وحكيماً لا مجال فيه للعاطفة أو الكسب السياسي السريع المتعجِّل ، وتقتضي بعض هذه المواقف أن تستشرف فيه القيادة أفقاً آخر وهي تتخذ ما تراه مناسباً وما ينفع الناس دون النظر إلى أسفل القدمين ،
من بين هذه القرارات المهمة ، عدم حضور السيد رئيس الجمهورية لقمة الرياض التي دعته إليها المملكة العربية السعودية مع عدد من زعماء العالم العربي والإسلامي للاجتماع مع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بداية هذا الأسبوع من الشهر الجاري، وكانت كل الترتيبات قد وضعت لمشاركة الرئيس البشير في هذه القمة، لما يمثله السودان من دور كبير في الحرب على الإرهاب والتحالف الإسلامي ضده أو في عاصفة الحزم.
> لكن الحكمة السياسية اقتضت اعتذار السيد الرئيس في اللحظات الأخيرة رغم الإعلان من قبل أنه سيحضر القمة، والسبب لا يرجع بالطبع كما تقول الأقاويل وما تضج به الأسافير ، إلى فيتو أمريكي تم استخدامه ضد مشاركة الرئيس البشير ، فذلك إن حدث من الجانب الأمريكي بشكل مباشر فإنه يمثل حرجاً للقيادة السعودية التي دعت السيد الرئيس وهي واثقة من أن سيادتها وقرارها فوق كل فيتو يمكن أن يحدث ، ومع العلم أن هناك عدم رغبة أمريكية تصاعدت من بعض الناشطين الأمريكيين والأوروبيين تؤثر بلا شك على الإدارة الراهنة للرئيس دونالد ترامب ، وتمثل تحدياً له في مثل هذه الظروف، ونتيجة لقراءات صحيحة من السيد الرئيس البشير وطاقم العلاقات الخارجية ، إرتأى الجميع أن المشكل ليس سودانياً بقدر ما هو مأزق أمريكي في الأساس يجب ألا يتحمل السودان أثمانه الباهظة.
> السودان يتطلع بعد أقل من شهر ونصف في الرفع الكامل للعقوبات الأمريكية حسب ما صدر من قرارات في عهد الرئيس السابق باراك أوباما ووافق عليها الرئيس المنتخب يومئذ ترامب وفريقه الذي أخطر بها ووافق على إلغاء الأوامر التنفيذية التي فرضت بها العقوبات ، ولا تريد الخرطوم أن تصنع أزمة من لا شيء داخل الولايات المتحدة تعصف بالجهود المبذلة لرفع العقوبات كما لا تريد تهييج جماعات الضغط المناوئة للسودان بالمشاركة في القمة الأمريكية العربية الإسلامية التي يمكن أن يمثل الرئيس فيها مبعوثه وممثله الذي تم اختياره وهو يكفي لأداء المهمة .
> لقد كانت القيادة السياسية بين أمرين ..ورأت ألا خيار ثالث بينهما ، إما أن يشارك الرئيس ملبياً الدعوة ويلغي كل برامجه المعلنة وارتباطاته هنا ولديه ازدحام كما علمنا بقضايا ذات أهمية بالغة تتعلق بالوضع الداخلي ومرحلة ما بعد تشكيل الحكومة ، بالإضافة الى ارتباطات أخرى تتعلق ببعض القضايا الإقليمية والملحة في جوارنا السوداني ، بالطبع ستكون مشاركته فاعلة وقوية في القمة لكنها غير محسوبة النتائج في حال هبت عاصفة ضخمة من الاحتجاجات من منظمات وجماعات ضغط أمريكية على الرئيس ترامب وانتعشت الجهات الحريصة على عدم رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان ، فأي تهييج لهذه المجموعات غير مطلوب حالياً والسودان يترقب رفع العقوبات وإنهاء معاناة شعبه، الأمر الثاني هو أن مشاركة الرئيس ليست واجبة وجوباً لا رجعة فيه ، فعدم ذهاب السيد الرئيس ومشاركته في القمة رغم كلفتها السياسية الباهظة وغيابه عن هذا المحفل السياسي العام ، ستجنب عدة أطراف بعض الإحراجات السياسية ، منها الرئيس الأمريكي الذي لم يعلن حتى اللحظة التطبيع الكامل مع السودان ولاتزال دوائر عديدة ودول أوروبية تتحرَّج من ملف المحكمة الجنائية الدولية، بل صمتت عنه ، فلربما تستغل بعض وسائل الإعلام والجماعات المتشنجة وتصعد بهذه القضية الى واجهة وصدارة الأحداث مرة أخرى وتربك الخطوات الجارية لطي الملف بكامله بعد رفع الحصار وإنهاء حالة العقوبات وإعفاء ديون السودان الخارجية ، ومنها جاءت الحكمة في تمثيل السودان في القمة تمثيلاً مناسباً وملائماً خاصة أن في مثل هذه القمم يتم تبادل الآراء والأفكار وإعلان المواقف العامة، ولكن لا تصدر عنها قرارات او التزامات . فالمكسب إذن.. في عدم الذهاب والربح الكامل في تفويت الفرصة على من يتربص بالسودان ويسعى لجعل مشاركة الرئيس منزلقاً تنزلق فيه الإدارة الأمريكية ومن ثم يتم دفعها دفعاً للمزايدة والتشدد وهذا ما يناسب حالتنا الراهنة الآن .
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة