أول عقدة واجهت الفريق الدكتور محمد عثمان الركابي وزير المالية الجديد.. كانت في المؤتمر الصحفي الذي أعلن عن تنصيبه وزيرا للمالية حين تساءل الزميل ضياء الدين بلال رئيس تحرير الزميلة السوداني.. عن سبب اختيار عسكري لمنصب وزير المالية.. النائب الأول رئيس مجلس الوزراء قال ليلتها ضاحكا ما معناه.. (من قال إن العسكريين لا يعرفون إدارة المال..؟).. كان من بين إجابات رئيس الوزراء كذلك.. أن الرجل ليس مجرد عسكري.. بل كان أصلا في وزارة المالية قبل أن ينتقل إلى القوات المسلحة.. ولكن ما لم يقله السيد رئيس الوزراء ليلتها إن الفريق الركابي الذي كان مستشارا لوزارة المالية في النصف الثاني من عقد الثمانين.. كان في ذات الوقت محاضرا بكلية الاقتصاد جامعة الخرطوم.. يحاضر في مادة المحاسبة الإدارية.. ولكن هل شفع كل ذلك للركابي.. وكف الناس عن طق الحنك.. في حق الوزير الجديد..؟ يبدو أنه لا..!
قال بعض أهل الاقتصاد أن الرجل محاسب وليس اقتصاديا.. وكأن هذه سبة يمكن أن تخرج الرجل من ملة أهل المال والاقتصاد.. قيل لهم.. هذا ليس استثناء.. بل إن جل من مر على وزارة المالية.. إن لم يكن كل.. ينطبق عليه ذات الحال.. قال آخرون إن الركابي رجل صعب وغير متعاون.. وبقليل من التدقيق وطق الحنك.. اتضح أن الصعوبة عند البعض تعني التمسك بالإجراءات.. والتشبث بالمستندات.. والإصرار على حساب المال العام بـ(القرش والتعريفة).. ويتساءل المراقب بحيرة.. ما إذا كان كل هذا يحسب للرجل أم عليه..؟ والإجابة نتركها لتقدير القارئ.. ولكن البعض لا ييأس.. يتحدثون عن الزيت الفاسد الذي وزعه الفريق الركابي على الجيش..!
وحين تتقصى.. أو تسترجع الوقائع.. تكتشف مفاجأة مذهلة.. الوقائع تقول إن كميات من زيوت الطعام وزعتها إحدى المؤسسات التابعة للقوات المسلحة ويشرف عليها الفريق الركابي.. ثم اتضح لاحقا.. ولاحقا هذه مهمة.. أن الزيت غير صالح للاستخدام الآدمي.. ليس لأن فترة صلاحيته قد انتهت.. كما قيل.. فبتأكيد النيابة كان تاريخ صلاحية السلعة لم ينته بعد.. بل لأن رائحة غير مستساغة قد ظهرت فيه.. كان هذا ما انتهت إليه نيابة المستهلك.. وكانت ثمة ثغرة لمن شاء الطعن أو التشكيك.. أو حتى لمجرد الالتفاف والمماطلة.. ولكن.. الركابي قدم درسا قل أن تجده لدى المسؤولين.. عسكريين ومدنيين على حد سواء.. فلم يكن أمام الضابط العظيم.. الذي هو الفريق الركابي غير الانصياع لقرار النيابة.. والتوجيه بسحب ذلك الزيت.. دون مكابرة أو تعنت.. فهل يحسب هذا الموقف للرجل أم عليه..؟
إذن.. نحن أمام شخصية تتلخص مواصفاتها.. في أنها شديدة الانضباط في إدارة المال العام.. صعبة المراس في ملاحقة التجاوزات.. تحترم المؤسسات العدلية.. تحترم القوانين وتنصاع لتنفيذها.. وفوق كل هذا خبرة طويلة في مجاله.. عليه.. فمن وجد مسؤولا بمواصفاتٍ أفضل من هذه.. فليلعن الركابي ما شاء له اللعان..!
محمد لطيف
اليوم التالي