كان السودان ومازال يمثل صورة للقارة اﻻفريقية من حيث التعددية فى جميع النواحى سواء كانت ثقافية او قبلية او عرقيه او حتى اجتماعية تلك التعددية التى مثلت ومازالت القوى الحقيقية فى المجتمعات اﻻفريقيه وكذلك المرض المزمن الذى ﻻ شفاء منه على اعتبار عدم القدرة على إدارتها بشكل مثالى يخلق تناغما ويحقق اﻻندماج الوطنى الذى غاب لسنوات ومازالت تمثل انعكاسا للقارة اﻻفريقية فى معظم الكتابات وتلك الظاهرة تمثل التحدى الكبير نحو بناء الدولة فى القارة.
وقد عانى السودان ومازال من عدم القدرة على ادارة التعددية اﻻمر الذى أدى فى النهاية ﻻنفصال الجنوب، هذا اﻻنفصال الذى له اسباب كثيرة وتداعيات أراها تطول اﻻمن القومى العربى، أن البلد الوليد على ارضه الآن تتنافس قوى اقليمية ودولية تسعى لتغيير الواقع اﻻقليمى وكذلك تسعى لتكوين تحالفات من شأنها التأثير على المصالح المصرية والعربية، وخاصة فى بعدها المائى الذى يساوى الحياة بالنسبة لنا اضافة الى التأثير فى مجاﻻت اخرى ومحاولة تغيير الخريطة العربية بكاملها.
وحتى الآن لم يرَ نظام اﻻنقاذ فى السودان اخفاقاته المتتالية التى كانت سابقة على وجوده ولكنه مازال على حاله اﻻخفاق وخاصة فى مسألة الوصول الى وﻻء وطنى جامع وهوية متأرجحة بين العربية واﻻفريقية.
حتى على المستوى اﻻقليمى انطلق النظام السودانى من الراية التى يحملها التى قسمت السودان ولم يحقق الوعود الكثيره التى وعد بها وخاصة فى مجال التنمية وتحقيق اﻻستقرار واﻻمر حتى اﻻن يسير الى عكس الناس، والقصد مازال المشهد السودانى على حاله من حيث استمرار الصراعات والوﻻء القبلى اضافة الى مطالب انفصالية في كردفان ودارفور ومسائل معلقة مع الجنوبيين وخاصة النزاع حول “أبيي”.
والخلاصة غابت السياسات التى تدعم الوﻻء الوطنى المركزى واستمر الوضع على حاله، الوﻻء القبلى واتساع الفجوة بين الخرطوم واﻻقاليم .
أما عن الشأن الإقليمى فقد تحالف البشير منذ ايام قليلة مع اثيوبيا وللعلم فإن هذا التحالف مسألة سودانية خالصة ولها الحق فى البحث عن مصالح تراها فى هذا التحالف ولكن على ان يكون هذا التحالف ﻻ ينطوى على اى أضرار بمصالحنا وخاصة المائية.
هذا التحالف صدق عليه البشير وديسالين رئيس الوزراء اﻻثيوبى وتم الاتفاق على ان اﻻعتداء على اى دولة منهما يمثل اعتداء على اﻻخرى وهذا اﻻمر معناه تحالف استراتيجى وعسكرى باﻻضافه الى توسيع محاﻻت التعاون فى مجاﻻت الربط الكهربائى ومشروعات تكاملية اخرى .
حاصل القول نقارب اثيوبى سودانى وتحول فى الموقف السودانى من سد النهضة الذى يراه السودان الآن رمز الرخاء والتنميه ويحمل الخير للسودان واثيوبيا ومصر . على الرغم من تداعيات ذلك السد الكارثية على حصص مصر الثابتة فى اﻻتفاقيات التى ﻻ تعيرها اثيوبيا اى اهتمام وﻻ تعترف بها لأنها ترى انها ابرمت فى العهد اﻻستعمارى وغير ملزمة لها، وتواجد اسرائيلى فاعل فى دول حوض النيل وديناميات التفاعل تؤكد على ذلك وجنوب السودان واثيوبيا تشهدان على ذلك لأغراض كلها تركن الى تطويق البلاد العربية والرغبة الكبرى في وصول مياه النيل الى اسرائيل .
وكانت اﻻدارة المصرية ترفض انفصال الجنوب وهو امر ثابت فى السياسة الخارجية المصرية وحدوث اﻻنفصال يعنى اقتراب خطر التقسيم من البلاد العربيه تحت مزاعم مذهبية.
وعلى السودان ان يعى جيدا ان العلاقات مع مصر بمثابة الحتمية التى تحكمها ثوابت اﻻخوة والتاريخ والثقافة والبعد اﻻمنى واﻻستراتيجى وليكن معلوما ان التقارب مع اثيوبيا أمر له مخاطره ومحاسنه لأن اثيوبيا تمثل الآن دورا محوريا فى عمق السياسة اﻻمريكية.
وعلى صانع القرار المصرى تفهم هذا التقارب وتداعياته وان كنت ألمح دورا مصريا مع دول القرن اﻻفريقى ودول المنابع أتمنى رؤية نتائجه على اﻻرض وكذلك تقاربا نسبيا مع الجانب السودانى بحسابات المصالح المشتركة التى أراها ضرورية مهما كانت الظروف.. لأن ما يجمعنا كبير وﻻ يمكن البناء على غير ذلك.
محمود مناع
صدى البلد
*كاتب مصري