الدولة هي الوطن والمواطنون.. الوطن هو البقعة الجغرافية بحدود معلومة ومعترف بها دولياً.. والمواطنون هم القاطنون في تلك البقعة.. لن تكتمل الدولة إلا بحماية الوطن والمحافظة على حدوده الجغرافية وتمتع مواطنيه بالأمن والأمان والحرية والمساواة والعدل وتوفر السلع والخدمات الأساسية بأسعار في مقدور الغالبية العظمى من الموطنين.. نجري هذا التعريف العام على دولة السودان لنرى أين السودان من هذا التعريف حتى نقنع بأننا في دولة.. هذا التعريف المتكامل للدولة تقوم على تحقيقه أجهزة متخصصة في تكامل وتناغم وتنسيق تقوم به رئاسة الدولة.. حماية الوطن في حدوده وربوعه تقوم به قوات مسلحة معدة إعداداً كاملاً، ويقوم به جهاز مؤهل من الأمن الوطني والاستخباراتي، يقدم العون والمعلومات للقوات المسلحة من مهددات خارجية أو داخلية لاستقرار الوطن.. المواطن أمنه الخاص وأمنه الغذائي وتمتعه بوفرة السلع والخدمات الضرورية مثل الصحة، والتعليم، والنقل والمواصلات، والاتصالات، والترفيه، والمساواة والحرية، والعدل تقوم به أجهزة تنفيذية متمثلة في مجالس الوزراء الاتحادية والولائية.. تحت رقابة أجهزة تشريعية مركزية وولائية وأجهزة عدلية.. نرصد ونحلل دور كل من هذه الأجهزة التي تكوِّن الدولة :
أولاً: القوات المسلحة تم تأهيلها تأهيلاً كاملاً من حيث العدة والعتاد والأفراد، حتى أصبحت متماسكة صلبة قومية حققت حماية سبعة آلاف ستمائة اثنين وسبعين (7672) كيلو متر من الحدود تفاصيلها كالآتي:
174 كيلو متر مع أفريقيا الوسطى، 1403 كيلو مترات مع تشاد، و1276 كيلو متر مع مصر، و382 كيلو متر مع ليبيا، و682 مع اريتريا، و744 مع اثيوبيا، و2158 مع جنوب السودان، و853 مع ساحل البحر الأحمر.. من هذه الـ7672 كيلومتر تظل بضعة كيلومترات في نزاع مع ثلاث دول، هي حلايب وشلاتين مع مصر، الفشقة مع اثيوبيا، ومنطقة أبيي مع دولة جنوب السودان.
نجحت القوات المسلحة في القيام بواجبها في حماية الحدود وهزيمة التمرد المسلح الداخلي بنسبة 95% والخمسة في المائة مسؤولية الأجهزة السياسية.
ثانياً: جهاز الأمن القومي والمخابرات قام أيضاً بواجبه كاملاً في توفير المعلومات والمتابعة والمراقبة لكل المهددات المحتملة من الداخل أو الخارج، حتى أصبح السودان في مأمن من نشاط المجموعات المتطرفة، وتجارة البشر، وكافة المهددات الداخلية.. ولم تعد المعارضة السياسية المدنية الداخلية هاجساً للجهاز، بل تركيز جهاز الأمن والمخابرات على المهددات الخارجية الإرهابية التي يمكن أن تدخل السودان وتهدد أمنه واستقراره.
ثالثاً: الشرطة تم تأهيلها بدرجة عالية بالأجهزة والمعدات ووسائل الحركة وبالأفراد، حتى نجحت في الحفاظ على الأمن وبسط هيبة الدولة في كافة بقاع الوطن خاصة المدن الكبرى، التي اكتظت بأعداد غير مسبوقة من المواطنين والوافدين.. والخرطوم الولاية خير مثال لكفاءة ونجاح الشرطة التي أصبحت تعمل بمهنية رفيعة، والحوادث التي تبرز من حين لآخر موجودة في كل دول العالم المتقدمة، والتي لولا حدوثها لما أنشئت شرطة في أي مكان في العالم .
رابعاً: الجهاز القضائي والأجهزة العدلية الأخرى تقوم بواجبها بكفاءة واقتدار وبحيدة ونزاهة، وخير مثال لذلك ما حدث مؤخراً من إدانة مسؤولين كبار في وزارة الصحة، والحكم عليهم بأحكام رادعة بالسجن لأكثر من عامين، في إنصاف لمواطن عادي تمت إشانة سمعته بواسطة المدانين.
مما تقدم يمكن أن نقول أن هذه الأجهزة الأربعة قامت بواجباتها على أمل وجه.
خامساً: الجهاز التنفيذي- الحكومة المركزية والحكومة الولائية- وهو الصخرة التي تكسرت فيها كل آمال النهوض بالسودان، وتحقيق الرفاهية لمواطنيه.. الأمر الذي أرهق الأجهزة الأربعة الناجحة كما أوضحنا أعلاه.. تحول الجهاز التنفيذي منذ 1989 الى وعاء كبير للتمكين، وذلك باختيار عناصره في كل المواقع والمستويات من المنتسبين للحركة الإسلامية السودانية دون بقية عضوية المؤتمر الوطني الأخرى، التي تشكل 80% وذلك على حساب الخبرة، والعلم، والتخصص، والنزاهة، وعفة اليد واللسان.. وتجاوز التمكين أيضاً علماء متمكنين من كافة التخصصات خاصة الاقتصاد، والزراعة، والصناعة، بالرغم من عدم انتمائهم الى أي حزب، ثم أضيفت الى سياسة التمكين سياسات الجهوية التي أدت الى الترهل الحالي في عدد الولايات خاصة في دارفور، والى تعميق سياسة الاختيار في الجهاز التنفيذي بالمحاصصة القبلية والجهوية على حساب الكفاءة العلمية والقدرات الشخصية في القيادة الإدارية.. تلى ذلك الحوار الوطني الذي أفرز توصيات عميقة ناجحة يمكن أن تحل كل مشاكل البلاد وتؤدي الى مصالحة وطنية مطلوبة، ولكن وبكل أسف أُفرغ الحوار الوطني من كل مضامينه وأهدافه السامية بسبب صراع مؤسف على كراسي السلطات التنفيذية، المتمثلة في مجالس الوزراء الاتحادية والولائية، حتى ولد مجلس وزراء بعد مخاض عسير وطويل وعملية قيصرية مشوهاً بالمحاصصة والجهوية في جسم ضخم غير متناسق لن يقوى على موجهة المشاكل الإقتصادية الحادة، وتأهيل المشاريع المنهارة، وتقديم الخبرات الأساسية لمصالحة الجماهير التي تعاني قساوة العيش الكريم، وأيضاً على صعيد الجهاز التنفيذي السياسة الخارجية تمر بمطبات هوائية تعطل تدفق الدعم العاجل للاقتصاد والتطبيع مع العالم.. عبرت السياسة الخارجية في الفترة الأخيرة أجواء إيجابية كان يمكن أن تؤدي الى نهوض عاجل للاقتصاد المنهار، وذلك عبر الزيارات الناجحة للرئيس الى السعودية، والإمارات، والبحرين، والكويت في تزامن مع لقاءات مثمرة لوفود رفيعة في أمريكا، ليعقب ذلك مطبات قطر، وتركيا ومحاولة خلق علاقات متميزة معهما، تؤثر سلباً على نجاحات الزيارات الأخيرة للرئيس للسعودية، والإمارات، والبحرين، والكويت ما لم يكن هناك تنسيق وتفاهم مع هذه الأطراف.
سادساً السلطة، والجهاز التشريعي الذي لم يقم بدوره الرقابي والمحاسبي للجهاز التنفيذي، بالرغم من تسليط الإعلام القوي على تحريض الجهاز التشريعي الاتحادي والولائي في المراقبة والمحاسبة لأي من وزراء المركز أوالولايات، وهذه تذكرني بطرفة الرجل الذي أصابه مس من الجنون، وتوهم أنه (حبة عيش) صار يخشى أي (ديك) أن ينتاشه، ولما أقنعه علماء النفس بأنه بشر وأقوى من (الديك) قال لهم: (أنا اقتنعت البقنع الديك شنو؟) المجالس التشريعية أقوى من الأجهزة التنفيذية، وتملك كل السلطات الدستورية لمحاسبة الوزراء، لكن بعض الوزراء المتنفذين (المسنودين) لا يأبهون بالمحاسبة من أجهزة التشريع.. لذلك من (خامساً وسادساً) نقول كما قال سعد باشا زغلول لزوجته صفية: (اطف النور يا صفية مافيش فايدة).
تقرير:عمر البكري أبو حراز
صحيفة آخر لحظة