رعب الدخلة في موريتانيا

ليلة الدخلة في موريتانيا ليلة رعب تنتظر العروس خصوصاً، فالعنف قائم دائماً في حقها، يضاف إليه الشكّ في العذرية الذي قد يحول “أجمل ليالي العمر” إلى معركة بين أهل العروسين.

لا تخلو أعراس الموريتانيين من مشاكل بسبب اختلاف طقوس الزفاف من وسط إلى آخر وسيطرة العصبية القبلية وتنافس عائلتي العروسين في رفع مكانتهما والتحكم في الاحتفال، غير أنّ ما يحدث في ليلة الدخلة بالذات من مشاحنات وصراعات يفوق كلّ ما قد يحدث في جميع مراحل الاحتفال بالعرس.

تتطور بعض الأحداث التي تتخلل ليلة الدخلة لتتحول إلى جرائم حقيقية لعلّ أخطرها ما يحدث للفتيات حين يرغمن على أداء طقوس أسطورية، فيتعرضن نتيجة لذلك للاغتصاب والعنف الجسدي والمعنوي بسبب شك العريس في العذرية أو فشله في فض غشاء بكارتها.

هناك الكثير من القصص التي أنهت العلاقات الزوجية في مهدها بسبب عنف العريس وجهل وتسرع محيطه العائلي الذي يدفعه الى إثبات قدرته بأقصى سرعة ليلة الدخلة. في كثير من الأحيان يفرض أهل العريس سرية كبيرة على مكان العروسين، ويرفضون أن يتدخل أهل العروس في ما يحدث، ما يجعلها وحيدة في وجه تقاليد قد تهدد حياتها.

وفي مجتمع ترتفع فيه نسبة الزواج المبكر وتنعدم فيه الثقافة الجنسية يقتحم العرسان عالم العلاقة الحميمة محملين بالكثير من الأفكار والأحكام المسبقة عن الزواج والحياة الشخصية خصوصاً ليلة الدخلة. وبينما يحاول العريس منع تكرار الفشل في فض غشاء البكارة وما يترتب عن ذلك من القيل والقال، تتصرف العروس بفلسفة العائلة ونصائح الصديقات بألاّ تكون فريسة سهلة لزوجها ليلة الدخلة، فتمنّعها ورفضها يزيد من مكانتها لدى العريس وعائلته.

ترفع معركة “الترواغ” قبل الدخلة من حماسة الزوج وتزيد من رفض الزوجة، وفيها تفرض التقاليد أن تختفي العروس عن عريسها ليلة زفافها بمساعدة قريباتها وصديقاتها، ليُطلب من العريس البحث عنها تعبيراً عن تعلقه بها، لكنّ هذا المشهد وما فيه من صراع ومحاولات لانتزاع العروس من بين صديقاتها يجعل العرسان في حالة توتر، بالإضافة الى التعب والجهد الذي يبذلانه في التحضيرات التي تسبق العرس.

بفعل هذه العادات تحولت ليلة الدخلة الى جحيم حقيقي وبات العنف الزوجي أمراً شائعاً بين الأزواج الجدد، وأحياناً تخرج الأمور عن السيطرة وينتقل الصراع الى العائلتين، فإذا شكّ العريس في عذرية زوجته تصبح العروس مهددة في حياتها من قبل عائلة الزوج، وعرضة للانتقاد والتأنيب والتهميش من طرف عائلتها.

تقول عائشة بنت المحفوظ (35 عاماً، ربة بيت): “ما إن يدخل العروسان إلى غرفتهما حتى تبدأ نساء العائلتين في عدّ الوقت متلهفات لسماع النبأ السعيد. تضيف أنّ النسوة من باب المزح وإضفاء أجواء الفرح على الاحتفال يحرصن على ترديد الأغاني وقرع الطبول لتبديد أجواء التوتر والقلق… وينتهي كلّ شيء حين تتم الدخلة كما هو مقرر لها. لكن حين يحدث العكس، تخرج الأمور عادة عن السيطرة ويتطور إلى خلاف بين الزوجين وعائلتيهما”.

تشير عائشة إلى أنّ التطورات تكشف أسرار ليلة الدخلة بالرغم من طابعها الخاص، فتفاهم عائلتي العروسين يؤكد أن “الدخلة” تمت على ما يرام والعكس صحيح، وفي أحيان كثيرة يتطور الخلاف الى عنف وضرب وينتهي بانفصال الزوجين. تعلق لـ”العربي الجديد”: “كم من عروس كاد زوجها يقتلها لشكه في عذريتها، وكم من عروس أهدر زوجها كرامتها ليلة عرسها”؟ تأمل عائشة أن تتغيّر نظرة المجتمع إلى شرف الفتاة الذي يرتبط عادة بوجود غشاء البكارة.

تحاول نساء موريتانيات إخراج عنف ليلة الدخلة من التابوهات فيطالبن بمعالجة أسباب هذا العنف الزوجي وإطلاق حملات لتوعية سكان البوادي والأرياف حول غشاء البكارة، وعدم تركهن ضحايا معتقدات خاطئة في عصر أصبحت فيه الثقافة الجنسية مطلوبة لكلّ راغب في الزواج.

ويدعو الباحث الاجتماعي أحمدو ولد الزين إلى عدم تضخيم الاستعدادات لليلة الدخلة بما يتسبب في رهبة وخوف لدى العروسين، فتتحول الليلة إلى شبح مرعب وساعات مخيفة ومحرجة لدى كثيرين. يؤكد لـ”العربي الجديد” أنّ ما يحدث في تلك الليلة يبقى عالقاً في الذاكرة طوال فترة الزواج، لذلك فإنّ أيّ ألم أو سوء معاملة يترسخ في الذهن وتبقى ذكراه مصاحبة لأيّ ممارسة جنسية مقبلة، فالإنسان يستدعي ذكريات الألم حين يقع في المواقف نفسها.

يوضح أنّه ليس من الضروري فض البكارة من الليلة الأولى، بل الانتظار حتى تتم التهيئة النفسية للحدث والاستئناس بين الزوجين وتقبّل العلاقة الحميمة من دون بكاء أو صراخ. ويحذّر من إفشاء سر هذه العلاقة للأصدقاء والصديقات “لأنّها علاقة طاهرة لها قدسيتها”.

العربي الجديد

Exit mobile version