ذكرى (الذراع الطويل).. بداية النهاية للعدل والمساواة

يوافي اليوم العاشر من مايو 2017 الذكرى التاسعة لعملية «الذراع الطويل» أو ما عُرفت بـ(أحداث أم درمان) التي نفذتها قوات حركة العدل والمساواة في العام 2008 في العاشر من مايو.

ورغم أن اليوم يصادف مرور ثمانية أعوام على حدوث هذه الذكرى، إلا أنها لازالت تحمل الكثير من الغوامض في مضامينها من واقع غرابة الفكرة التي أقدمت عليها حركة العدل والمساواة في تلك الأيام، والتي تحمل في مقاصدها معانٍ كثيرة وعديدة، غير أنها تجسد مدى عدم الإلمام الكامل لعناصر المهمة بطبيعة المنطقة المستهدفة، خاصة وأن الخرطوم أضحت عصية للكثير من الحركات المعارضة وحركات التمرد، مثل حركة جون قرنق وغيرها، ورغم هذا إلا أنها أيضاً، تحمل من الدلالات والقراءات ما يجعلها جديرة بالتأمل الواعي والدراسة المتأنية. عملية الذراع الطويل كانت في ذاتها تبدو أشبه بالأسطورة او حكايات السندباد. للتداخل الواقعي فيها وارتباطه بالخيال والدهشة بالانفعال في حكاية ربما كانت فصولها على مسرح الأحداث أبعد من مسافة تصديق الذاكرة الحية. وهذا لم يكُ بمنأى عن الأسئلة الصريحة التي تكوَّن منها هذا التحليل لتلك الواقعة، فلازالت نوايا عناصر العدل والمساواة للإقدام على مثل هذه الخطوة المتهورة غير محسوبة العواقب محل اهتمام كبير، ربما سيُدرس لطلاب الإستراتيجيات المضادة! كما أن الحديث عن من دعم الحركة لإنفاذ العملية، وهل هناك استفادة من تقنيات متقدمة في مجال الاستطلاع والرصد والمناورة تمت عند قدوم الحركة من أقصى الغرب إلى الشمال حيث مدينة ام درمان، ام هي فقط المعرفة بالأرض والطرق، ام هو ركوب المخاطر؟.
هناك محاولات كثيرة قيلت لسبر غور تلك الأحداث التي لازالت عالقة بالأذهان. فقيادات حركة العدل والمساواة يتحدثون عن «الذراع الطويل» أو أحداث أم درمان بقولهم إنها نتجت أو صدرت أو كانت توصية من توصيات المؤتمر العام الخامس للحركة تحت شعار «كل القوة الخرطوم جوه»، ما يدلل على التزام الحركة بمرجعياتها ووعودها في تلك الفترة. وهذا الالتزام وهذه الجدية واحدة من أبرز السمات التي تميز الحركة آنذاك، بحسب مرجعيات للعدل والمساواة. بيد أن «الذراع الطويل» كانت بداية النهاية للحركة التي رأت نفسها وقتها بالقوة التي لا تهزم، إذ أن الكثير من المتابعين اللصيقين بالحركة يرون أن العملية كانت إقداماً على الانتحار، بل أن بعضهم إشار بأصابع الاتهام لرئيس الحركة وقتها الدكتور خليل إبراهيم بأنه ساعد قواته على الانتحار ولم يمنعهم من ارتكاب ذلك.
ارتزاق العدل والمساواة
الخبير العسكري والمحلل الإستراتيجي اللواء يونس محمود قال لـ«الإنتباهة» إن حركة العدل والمساواة ظلت في مقام الارتزاق والعمالة منذ بدايتها وإلى الآن، معتبراً حديث القيادي المنضم أخيراً من الحركة للعملية السلمية والحوار الوطني بشير آدم السنوسي مستشار رئيس الحركة خلال المؤتمر الصحافي وحديث رئيس أركان العمليات مهدي جبل مون فيه كشفاً للنقاب عن كل عمليات الحركة والمدى الإقليمي في جنوب السودان وتشاد وجمهورية مالي وليبيا. وقال يونس محللاً إن العملية في مجملها كانت عبارة عن ردة فعل للرئيس التشادي إدريس دبي الذي اتهم النظام في الخرطوم وقتها بدعم المعارضة التشادية حتى وصلت لأعتاب القصر الرئاسي الحاكم هناك في أنجمينا، إلا أن الرئيس التشادي إدريس دبي استطاع عقب استخدامه للقوات الفرنسية في تشاد فك الحصار المفروض عليه من المعارضة التشادية. وأكد يونس محمود أنه ومنذ تلك الفترة كان العداء بين الخرطوم وإنجمينا في أوجه، وكان هذا هو السبب الرئيس لدعم المعارضة السودانية ممثلة في حركة العدل والمساواة. الشيء الآخر الذي صاحب تلك الأحداث وكان له تأثيره الواضح على مجريات الأمور، هو وجود القذافي في تلك الفترة، وهو كان دوماً يرى أن إسلاميي السودان هم أسباب كل التصدعات التي طرأت على المنطقة وكان يكيد شراً بنظام الخرطوم ومن ثم تلاقت أهواءهم الاثنان معاً دبي والقذافي واجتمعا لمحاربة السودان عبر دعمهما غير المتواصل والمتعلق وفقاً لرؤيتهما بأنه لابد من زيارة الخرطوم ودخول القصر الحاكم، بنفس طريقة التي أقدمت عليها المعارضة التشادية باقتحام القصر الرئاسي في تشاد. أما بالنسبة لدكتور خليل إبراهيم، فإن اللواء يونس يؤكد إنه كان مجرد أداة ومطرقة في يد غيره، وقال إنه لا توجد عقلانية ولا تدبير عسكري أو سياسي بالدخول للخرطوم بتلك الشاكلة. وأكد يونس أن الخرطوم ظلت عصية على كل الحركات المتمردة قبله مثل حركة جون قرنق الذي قاتل الحكومة عشرين عاماً ولم يدخل الخرطوم إلا سلماً. ويؤكد الجنرال يونس محمود أن الذكرى كانت بداية النهاية لحركة العدل والمساواة، وذلك لأن العلاقات الثنائية بين الخرطوم وإنجمينا رجعت لطبيعتها، بل وبصورة أفضل مما كانت عليه، حيث هناك قوات مشتركة لحماية الحدود من الاعتداءات التي تشكلها حركات التمرد لكلا البلدين، وحتى العدل والمساواة التي كانت تراهن على تشاد تم طردها من المنطقة وصارت متجولة ما بين دولة الجنوب والجماهيرية الليبية، حيث العمليات الارتزاقية التي تقوم بها كلما نشطت معارضات تلك الدول. وبحسب يونس، إن هذا الوضع هو الأسوأ للحركة التي كانت تجد الدعم المتواصل من شركاء دوليين يريدون زوال حكومة الإسلاميين في الخرطوم بكل السبل. أما القذافي الذي كان يشكِّل السند الأساسي لجماعة خليل، فهو قد قتله شعبه جزاء بما اقترفت يداه من الإثم، وفقاً لحديث اللواء يونس محمود لـ«الإنتباهة» أمس، وأكد أن الحركة انهارت تماماً وفقدت العمود الفقري من قواتها ولم يعد لها وجود اليوم إلا عبر الأسافير الإعلامية فقط، وهذا كل ما يمكن أن يُقال عن أحداث ام درمان التي مثلت علامة فارقة في تشكيل واقع جديد بدون حركة العدل والمساواة؟.
الخرطوم وإنجمينا
ويقول الدكتور أبوبكر آدم الأكاديمي والمحلل السياسي عن ذكرى (الذراع الطويل)، إن البلاد وقتها كانت تشهد احتداماً وتجمعاً دولياً ضد حكم الإسلاميين، ووجدت حركة العدل والمساواة الأرض الطيبة التي ساعدتها على الإنبات والنمو سريعاً، وكانت العلاقات الثنائية بين السودان والجارة تشاد في قمة عداوتها، حيث الاتهامات المتبادلة بين البلدين بسبب نمو المعارضة هناك وهنا سريعاً، حيث صادف ذلك احتدام الأوضاع في معظم الدول العربية التي بدأت فيها جذوة الربيع العربي تنطلق، ولكن ما جرى في السودان وتشاد كان سابقاً لأحداث الربيع العربي الذي كانت تسبقه تكهنات من أن واقعاً جديداً سوف يُرسم على الأرض في الدول العربية، مما حدا بكل دول الجوار الخوف من أن تنتقل تلك الجذوة فتصيب تلك المجتمعات، بيد أن ليبيا كانت الأولى في انتقال أو بروز جمرة الربيع العربي التي مهدت لها ولوج الحركات المتمردة في كل من السودان وليبيا للدخول لعاصمتي البلدين. ويضيف دكتور أبوبكر، من أن احتدام المواقف بين الخرطوم وتشاد ساهم في تأجيج الصراع إذ أن انجمينا كانت تتهم الخرطوم بدعم متمرديها الذين ولجوا داخل القصر الرئاسي ولم يتسنى لهم إسقاط الرئيس الذي كان قاب قوسين أو أدنى من القبض عليه لولا لجوئه لحركة العدل والمساواة التي ساهمت في صموده لحين وصول القوات الفرنسية التي عملت للقضاء على التمرد وإرجاعه للعرش في دولة تشاد. واعتبر أبوبكر دخول خليل لأم درمان بأنه كان مدعوماً من العاصمة إنجمينا التي قامت برد التحية للخرطوم بأحسن منها وفقاً للاتهامات التي تسوقها ضد السودان.
البعد الخارجي
وأضاف دكتور أبوبكر إن عملية «الذراع الطويل» كانت فكرة انتحارية اختلطت فيها روح الإقدام والتهور الذي اشتهر به د.خليل إبراهيم مما جعل مهمة دخول ام درمان تبدو وكأنها فكرة واقعية ساعدت في ذلك الارهاصات الكثيرة التي كانت تروّج بوجود خلايا نائمة تتبع للعدل بالخرطوم. اما عن البعد الخارجي فيشير د.أبوبكر إنه من الغرابة أن تقطع قوات بهذا الحجم المسافة من دارفور وإلى ام درمان ولم تصادف أية قوة عسكرية أو لا يلاحظ مسيرها من هناك وإلى هنا!. وقال أبوبكر إن هذا يجعلنا نفتح الباب أمام التشكيك في وجود مساعدات كبرى قدمت للحركة عبر التوجيه بطاقة جبارة كانت عبر الأقمار الاصطناعية أو غيرها من مكونات القوة المبتكرة في علوم الاتصالات الحديثة والمستخدمة في الحروب وفي إحداثيات الأمكنة، مما جعل الحركة تتجنب الاصطدام بأية قوة عسكرية حكومية إلى أن وصلت تلك القوات لأم درمان. وزاد إن ذلك يؤكد مدى التنسيق الخارجي لقوات خليل وحركته مع المجتمع الدولي المدعوم بالمواقف الإيجابية من ذلك المخطط لدول الجوار كليبيا وتشاد ودول أخرى لم تُعلن عن نفسها.
إن الذكرى الثامنة لهذه الواقعة، قد مرت ولكن لازالت حركة العدل تترنح جراء ما فقدته في معركة ام درمان أو ما عُرف بـ(الذراع الطويل)، حيث فقدت الحركة أعمدتها الأساسية، مثل الجمالي حسن وقادة الحركة الأوائل الذين شكلوا ملامح الحركة في تلك الفترة.
ملامح من الواقعة
احتلت الشرطة زاوية رئيسة في المشهد في ذاك اليوم، وهي تسجل مواقف بطولية وأدواراً إستراتيجية بالمعايير المهنية، أكدتها الروايات والقصص، ودللت عليها المواقع والأحداث.. وبحسب (الرأي العام) فإن اللواء عبد الرحمن الطيب عبد الرحمن النوراني الذي كان مديراً لشرطة محلية أمبدة باعتبار إنها محلية مواجهة للعملية من موقع الحدود الغربية لولاية الخرطوم فقد وصف محاولة دخول قوات خليل إبراهيم لأم درمان، بأنها كانت مغامرة لاجتياح العاصمة القومية في وضح النهار، حيث دخلت القوات في حوالي الساعة الثانية ظهراً عبر عدة مراحل متفرقة عن طريق (أمبدة ودار السلام وشارع الردمية والجخيس والقاعدة الجوية)، ودخلت أكثر القوات عن طريق شارع أمبدة الردمية الذي يقع فيه مقر شرطة محلية أمبدة، ويقول: وردت معلومات من قسم ام سنيط الذي يبعد (70) كيلو من أمبدة بأن هناك قوات في طريقها لأم درمان عددها ما بين (250 – 300) عربة محملة بالأسلحة الثقيلة والخفيفة وبكامل عتادها العسكري.
مكونات الحركة
واستدعى اللواء تلك اللحظات، قبل أن يؤكد توفر المعلومة عن التحرك نفسه، واستدرك (لكن لم نكن نعلم بالعدد الحقيقي للقوات والمركبات)، وأضاف(كل الأجهزة الأمنية كانت لديها معلومة عن دخول قوات خليل للعاصمة، وتواجدت بالخطوط الأمامية أعداد مقدرة من رجال الاحتياطي المركزي وجهاز الأمن والمخابرات).. وقال إنه وبمجرد وصول المعلومة تم اتخاذ الاحتياطات اللازمة، ووجهنا قسم شرطة سوق ليبيا للإسراع بإغلاق السوق وتفريغ المواقف.. خطوات جهاز الشرطة الاحترازية تلك، لم تنج من سطوة الأقدار ولعنة التجربة، لتسجل الشرطة السودانية أول شهدائها الملازم عبد الله من شرطة أمبدة، الذي كان من ضمن القوة التي توجهت لإغلاق السوق وتم استهدافها، وبعدها تحركت القوات وضربت أحد البنوك بالسوق، ثم تم استهداف مبنى الجمارك، الذي دافعت عنه ببسالة، وكان لشرطة الجمارك دور كبير الى أن (استشهد الرائد الجيلي). وطبقاً للواء عبد الرحمن، فإن الخطوة التالية من قبل حركة العدل والمساواة، كانت بعد ذلك ضربت شرطة محلية أمبدة بخمس عربات مدججة اطلقت وابلاً من النيران، وأضاف(وقعت اشتباكات مع العدو وكبدت قواتنا المعتدين خسائر في ثلاث عربات من ضمن (20) عربة مدججة ومحملة بالسلاح، وتمت محاصرة المحلية لثلاث ساعات، وزعنا على إثرها قواتنا في أعلى البنايات المنتشرة بالمنطقة للمناوشة، وكنا نقوم بمناوشة القوات من وقت لآخر، وتم مدنا بقوة من شرطة الرئاسة وكان يقود المدد الملازم محمد الرشيد الذي يقود عمليات أمبدة ودمر ثلاث عربات). وتابع: كان لقوات الاحتياطي المركزي دور كبير حيث وصلت العرضة ومن ثم فرقوا جمع القوات الغازية وكانت معركة الكوبري هي الفاصل، وانتشرت القوات في بعض المدن، وكان للمواطنين دور كبير في القبض على عدد كبير من القوات باتصالهم عبر النجدة بـ (999)، وكشف اللواء عبد الرحمن عن ضبط عدد كبير من الطابور الخامس والمشتبه فيهم، بواسطة الشرطة والأجهزة الأمنية، وقدموا للمحاكمات في تلك الفترة، وكان ضمن القوات أطفال بنسب كبيرة كانوا يستخدمون قسرياً، تم الإعفاء عنهم وفق قانون الطفل.

عبدالله عبدالرحيم
الانتباهة

Exit mobile version