في الوقت الذي ترتب فيه اللجنة القنصلية السودانية المصرية المشتركة لاجتماع طارئ الخميس المقبل بالعاصمة المصرية القاهرة لبحث القضايا القنصلية الملحة والراهنة واوضاع الجاليات في البلدين ، اودعت مصر اعتراضا لدى الأمم المتحدة على خطوط الأساس للمناطق البحرية التي أعلنها السودان في مارس الماضي وأكدت فى الوقت ذاته عدم اعترافها بأي إجراء تتخذه الخرطوم أو أي اتفاق دولي يمس سيادة مصر على حلايب وشلاتين.
وكان السودان قد أرفق مع اعتراضه على مرسوم مصر الخاص بحدودها البحرية، قوائم إحداثيات جغرافية «12 إحداثية» تحدد خط الأساس السوداني في البحر الأحمر، وفقا لـ «النظام الجيوديسي العالمي ـ 1984 WGS»، شاملا 7 إحداثيات لحلايب وشلاتين ضمتها مصر لحدودها البحرية.
انتقال الازمة الى البحر
بيان القاهرة الذى اودع بتاريخ 4 مايو الحالى وحصلت «الصحافة » على نسخة منه ، يبدو انه رد فعل لاعلان أودعته الخارجية السودانية منضدة الأمم المتحدة فى الثالث من مارس الماضي بموجب قرار جمهوري، قالت فيه ان الاحداثيات التى أودعتها حكومة الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك عام 1990 تتعدى على حدود السودان البحرية الموازية لمثلث حلايب الحدودي، واصفة وجود مصر فى مثلث حلايب بانه احتلال عسكري.
وكان رئيس الجمهورية المشير عمر البشير قد أصدر مرسوما في مارس بشأن خطوط الأساس التي تقاس منها المناطق البحرية للسودان، معترضا على إعلان القاهرة في يناير 1990 الذي يمس الحدود البحرية السودانية شمال خط 22 درجة.
الخارجية المصرية اعلنت رفضها وعدم اعترافها بأى إجراء ـ أياً كانت طبيعته ـ صدر أو قد يصدر مستقبلاً عن السودان وكذا أي اتفاق دولي أبرمه السودان أو قد يبرمه مستقبلاً مع أي طرف آخر من شأنه المساس بسيادة مصر على إقليمها البري أو البحري شمال خط عرض 22 درجة شمال.
واكدت ـ وفقا للبيان ـ اعتراضها على ما جاء بالإعلان الصادر عن خارجية السودانية في 3 مارس الماضي موضحة أن السيادة المصرية المتصلة على جميع الأراضي الواقعة شمال خط عرض 22 درجة شمال ثابتة تاريخياً وقانونياً .
الخرطوم والرفض المصرى
وترفض مصر التفاوض المباشر مع الحكومة السودانية لوضع حد للازمة الناشبة بين الدولتين منذ فرض الاولى سيطرتها على مثلث حلايب الذي يضم «حلايب ـ شلاتين ـ ابورماد» فى العام 1995 بالقوة العسكرية، كما ترفض اللجوء لمحكمة التحكيم الدولية بلاهاي، الامر الذى يطعن فى قناعات مصر بتبعية المثلث الذى تسكنه قبائل البجا السودانية لحدودها.
خطوات الحكومة السودانية على نحو ما سبق بعيدا من الموقف المصري تشير الى ان تسارع خطواتها الفعلية لاعادة الامور الى نصابها ، في وقت تشهد فيه العلاقات بين البلدين توترا ملحوظا ربما يتبدى بشكل واضح فى اقرار قنصل مصر بالخرطوم وئام سويلم فى مؤتمر صحفي اواخر ابريل الماضى قبيل وصول شكرى للخرطوم ان زيارة وزير خارجية مصر بهدف ازالة سوء الفهم بين البلدين.
و رفض مصر دخول عدد من الاعلاميين السودانيين الى اراضيها ، بعيد مغادرة «شكرى» الخرطوم ، ربما يشير الى ان اجتماع اللجنة السياسية المشتركة الذى عقد فى العشرين من ابريل المنصرم بالخرطوم وضمه ووزير الخارجية البروفسير ابراهيم غندور ، ونص على ضرورة التنسيق من اجل التوقيع على ميثاق شرف إعلامي لضمان الحفاظ على المصالح السامية بين الشعبين الشقيقين، لم يفلح فى ازالة سوء الفهم ولا يعدو كونه اجتماعا للعلاقات العامة ـ بحسب مراقبين .
ويعضد ذلك ، ردة فعل وزير الخارجية البروفسير ابراهيم غندور وتهديده امام نواب البرلمان قبل نحو عشرة ايام من مغادرة «شكرى» للخرطوم ، بمعاملة مصر بالمثل حال تكرارها إبعاد المواطنين السودانيين من أراضيها.
غندور اتهم بعض جيران السودان لم يسمهم ، واكتفى بوصفهم بالعقارب، بأنهم يعملون على إعاقة رفع العقوبات الاقتصادية الأميركية الأحادية المفروضة على بلاده.
غندور اوضح امام نواب البرلمان أن الحكومة طلبت من مصر رسميا إخطارها بما إذا كانت لديها قائمة بصحفيين سودانيين محظورين من الدخول إلى مصر، وذلك للتشاور بشأنها «تحاشيا لمنع أي مواطن من الدخول إلى مصر».
«الخرطوم» حسم المعركة بحرا
«الخرطوم» التى اعلنت ولاول مرة على لسان وزير خارجيتها غندور لجوءها لمبدأ التعامل بالمثل مع مصر ردا على منعها اعلاميين سودانيين دخول اراضيها، يبدو انها قررت ان يكون البحر جزءا من ميادين بحثها ووسيلة من وسائل محافظتها على حقوقها ومكتسبات دولتها.
المحكم الدولي في الحدود البحرية عثمان محمد الشريف، وكيل نقيب المحامين السودانيين، نبه الى ان اتفاقية قانون البحار في عام 1982 التي وقع عليها السودان ومصر تلزمهما بالمثول أمام المحكمة المختصة بالنزاعات الحدودية في البحار والمحيطات، مشيرا الى أن الإعلان الذي أودعته الخارجية السودانية الأمم المتحدة في مارس الماضي بموجب قرار جمهوري، أرادت الخرطوم من خلاله سلوك طريق ثالث بعد أن رفضت القاهرة خياري التفاوض المباشر والتحكيم الدولي.
ومضى الشريف بحسب تصريحات إلى أن إيداع الخرطوم إحداثيات بحرية شاملة مثلث حلايب بعد 27 سنة من إيداع الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك مرسوما بحدود بلاده البحرية في 1990، لا يسلب حقوق السودان في حلايب وما يوازيها من مياه بالبحر الأحمر.
وأكد الشريف أن اتفاقية قانون البحار الدولية ملزمة وبعد إيداع السودان لهذا الإعتراض مضمنا بإحداثيات وخطوط الطول والعرض وفقا للخريطة الدولية، فإن الأمين العام للأمم المتحدة سيخطر مصر بأن «إيداعها في 1990 مخالف وهناك اعتراض عليه بإحداثيات وينتظر الرد وبعدها يمكن التقاضي».
وقال ان المحكمة لديها هيئة قضاة وقانون ومواد منصوص عليها، وان الأمين العام للأمم المتحدة ربما يحيل النزاع للتحكيم وحال رفضت مصر يمكنه التدخل بإجبارها على الخضوع».وتابع المحكم الدولي في الحدود البحرية «إذا مضينا في القضية كنزاع بحري فسيكون لدينا وسائل للتحكيم الملزم.. لكن بريا لا يوجد قانون تحكيم ملزم».
وشدد قائلا إن «الأمين العام للأمم المتحدة بحكم أنه الضامن للاتفاقية يمكنه منع الأمر الواقع الذي كرسته مصر في عام 1995 بوضع اليد على مثلث حلايب لأن الحدود البحرية للسودان في حلايب ثابتة وهي مكملة للحدود البرية».
الصحافة