مثلث الغزاة ..!!
أشعب لم يكن أكولاً فحسب، بل كان موهوماً أيضاً.. ذات مساء، نشر في قريته شائعة مفادها أن لسلطان القرية وليمة إفطار دسمة.. وانتشرت الشائعة وعمت القرية وما جاورها..
ونام أهل القرى على جوع كي يشبعوا صباحاً في وليمة السلطان.. ومع أول الفجر، سمع أشعب صخباً وضجيجاً خارج الدار .. فخرج، وتفاجأ بغبار أهل القرى وهم يتسابقون – حفاة وعراة – إلى دار السلطان .. ضحك على حال أهله وأعجبه نجاح شائعته وتأثيرها.. ثم فجأة، التحق بركب المهرولين وسبقهم إلى دار السلطان بلسان حال قائل : ( يمكن كذبتي تطلع صاح)..!!
> ويوم الأحد الفائت، عندما أعلنت صحف الخرطوم عن زيارة والي البحر الأحمر لمنطقة حلايب، كنت بالبحر الأحمر وكان لسان حالي كما أشعب : (يا ربي أمشي معاهم؟ يمكن الكذبة تطلع صاح).. ثم اعتذرت لصديقي عبد القادر باكاش وآخرين، لأن الزيارة لم تكن تستهدف حلايب (سيد الاسم)، وأن الوالي والوفد المرافق له (صدقوا تجملهم)، ثم هرولوا كما أشعب .. لقد زاروا منطقة أوسيف، وهي جنوب حلايب بمسافة تبعد عنها بأكثر من (180 كلم).. وكنت قد زرت أوسيف هذه – ثلاث مرات – متابعاً مراحل تعميرها.. كانت فيافي، وحولها طاهر إيلا إلى ميناء عندما كان مديراً لهيئة الموانئ البحرية (1995)..!!
> وبعد أن أصبح والياً للبحر الأحمر، زاد اهتمام طاهر إيلا بمنطقة أوسيف، بحيث حولها إلى مدينة ذات مدارس ومساجد ومشافٍ ومراكز شباب وشبكة طرق وكهرباء ومياه، ثم مشاريع الجمارك والموانئ ..وخلال سنوات قليلة، تحولت المنطقة إلى (خلية نحل)، بحيث جذبت من كانوا على قمم وسفوح الجبال بلا تعليم أو خدمات.. واستقروا فيها ثم تواصلوا – تجارياً واجتماعياً – مع أهالي حلايب المحتلة .. ومن شر البلية، زار أحد الوفود المركزية أوسيف قبل سنوات، ووجد مدرسة أساس بها (سبعة تلاميذ فقط لاغير) ..!!
> وكانت تلك أول مدرسة يشيدها طاهر إيلا عندما كان مديراً لهيئة الموانئ البحرية، فعاتبوه بأن عدد التلاميذ غير مستوف لشروط بناء مدرسة، فقال : ( سوف نصبر عليها ونرعاها لحين تستوفي شروطكم)، وكانت الرؤية إستراتيجية وصائبة ..فاليوم، تكدست تلك المدرسة بالتلاميذ والتميذات لحد بناء مدرسة أخرى، وتم فصل البنين عن البنات في عهد الوالي الحالي علي حامد .. ثم تم بناء المدارس الثانوية، ثم داخليات و.. و..حتى صارت هناك مدينة تقاوم الفيافي وتضج بالحياة لتكون حلقة الوصل ما بين أهل البحر الأحمر وأهل المثلث المحتل رغم أنف الغزاة..!!
> فالغزاة – وراء سور المثلث المحتل – يجتهدون لتمصير الأهل بعزلهم عن أهل بلادهم، ولا يعجبهم أن تكون هناك حياة سودانية بجوار جدارهم الكاذب .. شيدوا ثلاث مدارس مصرية، ولم يجدوا لها غير أطفال يأتونها فقط نهاية الأسبوع لاستلام 3 كيلو أرز و 3كيلو سُكر)، ثم يعودون إلى جبالهم – بعيداً عن كل ما هو مصري – لحين يقوى عودهم ثم يتسربوا إلى مدارس أوسيف وغيرها من مناطق البحر الأحمر .. وشيدوا ثلاثة مشافٍ لا يدخلها غير مرضى جيشهم.. فالطبيب المصري عندهم من أدوات الإبادة وليس من أسباب الحياة، أو هكذا يخاطبهم وعي الشباب ثم ينقلهم إلى مراكز تديرها كوادرهم قبل نقلهم إلى أقرب مناطق المثلث المحتل بواسطة (بطاقة شؤون القبائل)..!!
> واجتهدوا لتجنيد شباب المثلث بحيث يشكلون الشرطة التي تدير الأقسام وتحرس الحراسات، وفشلوا بالترغيب والترهيب .. ثم تفاجأوا بأن أفراد المجتمع هناك يحتكمون إلى نظارهم وعمدهم في كل قضاياهم، وأن أقسام الشرطة ذاتها قد تم تصنيفها من مصادر الجريمة التي يجب (مقاطعتها).. ثم أن غزاة المثلث يتلصصون ليلاً في المقاهي وأندية المشاهدة، لتغريم أصحابها في حال أن تكون القناة أو محطة الإذاعة سودانية.. وكانت المخالفة المرورية ما وراء مثلث الاحتلال هي أشرطة الكاسيت سودانية، ولكنهم عجزوا عن ضبط مخالفات (إم بي ثري).. !!
> ومن المضحك, أن من يزعم تمثيل دائرة حلايب بمجلس الشعب المصري لم يخاطب أهله غير مرة واحدة، وكان محاطاً بجيش من (الغزاة)، قبل أن يتوجس ويستقر بحي عين شمس بالقاهرة (منبوذاً).. وأن ثلاثاً من الذين زعموا بمصرية حلايب في القنوات المصرية قبل خمسة أشهر، عادوا إلى حلايب ليجدوا بيوتهم وقد تحولت إلى (كوم رماد)، وأن جيرانهم قد رحلوا بعد رسالتهم البليغة .. وأكثر من ثلاثمائة أسرة مصرية كانت المحاولة الأخيرة بحيث تكون نواة دمج الغزاة مع المجتمع البشاري والعبابدة في المثلث المحتل، ولكن – خلال عام ونصف – تحولت بيوت تلك الأسر إلى (ثكنات عسكرية).. كيف ولماذا هرب أفرادها إلى سيناء؟.. ولأن سلطات الاحتلال ومخابراتها تستحي من الهزائم، لن تفصح..!!
الانتباهة