منذ أول لحظة له في الحياة، فتح عينيه على بيوت بُنيت داخل المقابر، حتى أنه في صغره كان يعتقد أن بيوت الحياة المؤقتة والأبدية تسكنان بجوار بعضهما، فأن تعيش في القبور بين الأموات، وصرخات ذويهم بين الحين والآخر، بات أمرًا مألوفًا بالنسبة له، هكذا تحدث عم لويس قائلا: “اتولدت في المقابر، وهفضل فيها لحد ما أموت”.
ومنذ نحو ثمانين عامًا، عمل والد لويس حارسًا لمقابر الأنبا لويس برمسيس، ثم نقلهم لمقابر الدرب الأحمر، استعدادا لتعمير منطقة رمسيس، وبعد أن بلغ 27 عاما انتقل مع الأسرة إلى منطقة المقابر الكاثوليكية على حواف قاهرة المعز، بالقرب من مستشفى الصدر بالعباسية وظل به حتى اليوم.
ورث لويس، الذي تقاذفته الحياة بين الموتى، من مقابر الأرثوذوكس إلى الكاثوليك، مهنة حراسة المقابر عن والده الذي كان يحرس مقابر “اللاتين الكاثوليك” الكائنة بذات الشارع، وعمه الذي ترك له ابنته فتزوجها وأنجبا بنتين، وحراسة مقابر السريان من بعده، فنشأت أسرة لويس ومارسيل في قلب مدينة الموتى، وسيظلان هناك حتى يرقدا بجوارهم.
حراسة مقابر شهداء الأتراك المسلمين
بوجهه المليء بالتجاعيد وأسنانه التي لم يتبق منها إلا القليل جدًا، والتي تظهر وتتشابك خيوط التجاعيد بوجهه، حينما يبتسم وهو يتحدث عن ذكرياته مع المنطقة وأيامه الأولى في مدافن السريان الكاثوليك قائلا: “أنا بقالي أربع سنين بحرس مع مدافن السريان، مقابر الأتراك الشهداء، اللي فيها 4500 جندي شهيد من الحرب العالمية الأولى، ومن فترة جه الرئيس أردوغان ومعاه ناس من السفارة، وحضرت معاهم الزيارة”.
بسبب بقائه في شارع مقابر الكاثوليك، عمره بكامله، أصبح علمًا من أعلام الشارع، لا أحد يجهل عم لويس وزوجته مارسيل، وكلابهما التي تساعدهما في حراسة المكان، فعندما احتاج مسئولو السفارة التركية من يعتني بشئون النصب التذكاري، والذي كان يتم تغييره كل فترة، استقر الاختيار على “لويس” بأن يتولى أمر هذا المكان المغلق طوال العام، ولا يُفتح إلا عندما يحتفل الأتراك بعيد الشهيد في مارس من كل عام، “محدش بيدخل المكان ده إلا الأتراك بس وبأمر من السفارة التركية نفسها”، فأصبح هو من يسقي الورود والزرع وينظف حول الأشجار.
بوابة فيتو