أن تتجاوز أسعار السيارات والعقارات الملايين وترتفع أرقامها وتغلى أسعارها فالأمر مقبول، لكن أن تدخل الأدوية في ذلك السباق وتصل أسعار بعضها إلى أكثر من (40) مليون جنيه، فإن الأمر يحتاج إلى وقوف وتأمل. في جولة لـ(الـسوداني) بعددٍ من الصيدليات رصدت أعلى الأدوية سعراً، وانحصرت في أدوية المناعة، السرطانات، وبعض أدوية الأطفال حديثي الولادة، هشاشة العظام، الخصوبة.. وأكدت الجولة تراوح أسعار الأدوية بحسب الصيادلة ما بين المليون والـ 40 مليون، ذلك إضافة للأدوية التي ترتفع أسعارها بسبب إنعدامها في المنافذ الرسمية، وتصبح حكراً على التجار لتخضع لقوانين السوق والمصالح، وأرجع بعض الصيادلة الأسباب إلى عجز صندوق الإمدادات الطبية، عن توفير الكثير من الأدوية، مما فتح الباب واسعاً للعبث والفوضى بالأسعار.
الأدوية بالأرقام:
الـ(إيمونوثيربي)، والـ(أميونوجلوبيولين)، عبارة عن عقارات لتقوية المناعة لمرضى الأيدز والسرطان، ويصل سعرها لـ(40) مليون جنيه (بالعملة القديمة )، كذلك عقار جديد يُسمى (3 بي إن سي 117)، لمرضى نقص المناعة المكتسبة، وهو عبارة عن محلول يحصل عليه المريض عن طريق التنقيط الوريدي، ويصل سعره لـ(30) مليون. بالإضافة إلى عقار علاج سرطان الدَّم (اللوكيميا)، وهو عبارة عن جرعات تؤخذ عن طريق الفم بدلاً عن الكيماوي، وتكلِّف الجرعة الواحدة منه (22) مليون جنيه. كذلك عقار (بوريفيد إف إس إتش) لعلاج أمراض الخصوبة لدى الرِّجال سعره وصل لـ(20) مليون جنيه.
ورصدت (السوداني) كذلك، المحاليل التي تستخدم في تحضير الجرعات لمرضى السرطان، ولا يقل سعر الجرعة الواحدة عن (10) مليون، كذلك عقار (سقفارتنت)، ويستخدم لحديثي الولادة المصابين بنقصٍ حاد في الوزن، وإرتفع سعره مؤخراً إلى (10) مليون جنيه.
عسرة تنسُج القصبات والرئة “بي بي دي”، وهو مرضٌ يصيب الأطفال، ويبلغ سعر جرعة الدواء والتي تستنشق (5) ملايين. بالإضافة إلى عقار( زورفدكس)، المستخدم في علاج خلل الهرمونات وتكلفة العبوة منه (3.272) مليون جنيه، كذلك عقار (بونفيفا) لعلاج هشاشة العظام، تبلغ سعر الجرعة الواحدة منه (1500) مليون جنيه. كذلك هناك فيتامين الخصوبة المعروف بـ( إم إف إس) وتبلغ قيمة الجرعة منه ( 1.065) مليون جنيه.
(جنون) الأسعار:
الـ(اميونو جلوبيولين)، وهو عبارة عن عقار لتقوية المناعة، يصل سعره لـ( 40) مليون جنيه، ورغم ندرة وجوده في الصيدليات، إلا أنه وحتى وقتٍ قريب كان لا يتجاوز سعره الـ(15) مليون، وطبقاً لنائب اختصاصي الأطفال بمستشفى أحمد قاسم د. رحاب زين العابدين فإن ذلك العقار يُستخدم لفئاتٍ عمرية مختلفة، وحتى الأطفال يحتاجونه في كثيرٍ من الأحيان، وتعجز الأسر عن توفيره إلا نادراً، وتمضي رحاب في حصر الأدوية الأعلى سعراً فتقول لـ(السوداني): أدوية الكيماوي بعض أنواعها غير موجودٌ في السودان، وإن وُجد لا يقل سعره عن (10) مليون للجرعة الواحدة. أما فيما يخص الأدوية المنقذة للحياة للأطفال حديثي الولادة، فهنالك جرعة ” تُستنشق” خاصة بالأطفال الذين يولدون بوزنٍ ناقص، لا يقل سعرها عن ( 5) مليون.
أدوية غير موجودة:
فيتامين خصوبة يُسمى” إم إف إس”، الجرعة الواحدة منه قيمتها( 1065) جنيهاً، أما أدوية هشاشة العظام ” بونفيفا” فقد وصل سعرها إلى( 1500) جنيهاً، ولم يستبعد الصيدلي د. محمد سيِّد بصيدلية (سُدن) بشارع المشتل، وجود أدوية تصل أسعارها إلى أكثر من ( 40) مليون، وأضاف: (ذلك وارد جداً). معتبراً أن الأدوية ربما تصل إلى أرقامٍ خيالية، طالما أنها مطروحة بالسوق ولا رقابة عليها، فقط تضبطها الأهواء والمصالح الشخصية.
وكشف د. سيِّد عن أن الكثير من الأدوية في السودان، غير موجودة لا في الإمدادت الطبية، ولا حتى لدى الشركات، وعليه، أصبح تجار الشنطة متخصصون في الأدوية المعدومة، التي في ذات الوقت لا غنى عنها، أما عن أغلى سعر للأدوية بصيدليته، فيقول محمد إنها لا تتعدى الـ( 2000) جنيه.
عجز الإمدادات:
في صيدلية المك نمر فرع شارع المطار، كانت قيمة (حقن الهرمونات) المعروفة بـ( زورفدكس)، تبلغ ( 3.272) جنيهاً، أما الحبة الواحدة من أدوية هشاشة العظام تبلغ تكلفتها ( 1000) جنيهاً، وتقول الصيدلية د. مزن أحمد لـ( السوداني) إن أدوية بعض أنواع السرطان تصل سعر الحقنة الواحدة منها لـ( 10) مليون جنيهاً، وأبدت د. مزن أسفها على عجز الإمدادات عن توفير دواء المناعة (الأميونو جلوبيولين)، والتي قالت إن المرضى يعانون من إنعدامه، خاصة أنه لا بديل له، إضافة إلى أنه حصري على الإمدادات الطبية وممنوع على الشركات إستيراده، لذلك فإن وصول سعره بالسوق الأسود إلى( 100) مليون جنيه، أمرٌ غير مُستبعد. مُطالبة الإمدادات بأن تسعى في توفير بدائل له، أو تسمح للشركات بذلك إن هي عجزت.
أما دواء الأطفال حديثي الولادة المصابون بنقصان حاد في الوزن “سقفارتنت”، تقول مزن إن سعره وفي وقتٍ قريب كان( 5) مليون جنيه، أما اليوم فقد تضاعف وبلغ ( 10) مليون جنيه.
مُفارقات:
المُلاحظ أنه بجانب إرتفاع أسعار الأدوية المبالغ فيه، إلا أن هنالك تباين بين صيدلية وأخرى لذات الصنف الدوائي، فحقن الهرمونات “زورفيدكس” في صيدليةٍ كان سعرها ( 1500) جنيهاً، وذات العبوة بصيدليةٍ أخرى كان سعرها ( 3272) جنيهاً، ودواء الأطفال ناقصي الوزن بصيدلية بالخرطوم يبلغ سعره ( 2000) جنيهاً، والدواء نفسه بصيدلية ببحري بـ( 5000) جنيه، وتعزي د. مزن أحمد من صيدلية المك نمر إختلاف الأسعار إلى الشركات المُستوردة، أما عن أدوية الإمدادات الطبية، فتقول مزن إن أغلى صنف توزعه الإمدادات لا يتجاوز الـ( 3500) جنيه.
أين صندوق الإمدادات؟
عزا الصيدلي د. محمد عشميق الإرتفاع غير الطبيعي في أسعار الأدوية، إلى نُدرة الأدوية أو إنعدامها في المنافذ الرسمية، رغم الحاجة إليها، ما يجعلها عُرضة للتهريب عبر ” تجار الشنطة”، الذين هم خارج المنظومة وهدفهم الربح فقط، ويستغلون الظرف لصالحهم ويعمدون إلى بيع الأدوية بأسعارٍ خرافية، مؤكداً أن توفر الأدوية هو الحل، واعتبر عشميق أن التشدد في مكافحة التهريب لن يكون ناجعاً، طالما أن الأدوية أصلاً غير موجودة بالقنوات الرسمية، وأضاف: وفرة الدواء تغلق الباب أمام دخول الأدوية بالطرق المُلتوية، والتي قال عنها أن ضررها قد يكون أكثر من نفعها، لسوء تخزينها وقلة كفاءتها ومأمونيتها للجهل بمصادرها، لافتاً إلى أن أدوية المناعة وأدوية السرطان، تعتبر الأغلى، إضافة لكثيرٍ من الأدوية الأخرى التي يتذبذب سعرها بحسب وفرتها وإنعدامها.
شركات الأدوية
مدير شركة “ساما”، لإستيراد الأدوية والمستلزمات الطبية، سعيد محمد الماحي أكد أن شركات الأدوية بالسودان غير مسموح لها بإستيراد كل الأدوية، ولا حتى صندوق الإمدادات يوفي بكل الاحتياجات، وعليه، فهنالك فجوة صنعتها الجهات الرسمية واستغلها” تجار الشنطة”، وأضاف الماحي: إن هنالك عقار يعالج ” عسرة تنسُج القصبات والرئة بي بي دي”، مرض يصيب الأطفال، عقاره عبارة عن جرعة ” تُستنشق” سعرها ( 5) مليون، وعقار تقوية المناعة للأطفال حديثي الولادة ” سورفاكتنت” لا يقل سعره عن ( 20) مليون جنيه، ويلفت سعيد إلى أن الكثير من أدوية الأطفال، خاصة النادرة منها، غير موجود بالسودان، وأثمانها إن وُجدت تكون باهظة، رغم أن أدوية الأطفال دون سن الخامسة تندرج تحت منظومة العلاج المجاني، مشيراً إلى أن الكثير من الأمراض الخطيرة، أدويتها غالية، خاصة المستحدث منها، ويضيف: هنالك عقار جديد لمرضى نقص المناعة المكتسبة، لا يشفي تماماً، لكن يقلل كثيراً من مضاعفات المرض، ويعمل على تكوين مقاومة بالجسم، موجودٌ بالسودان لدى بعض” تجار الشنطة” بمبلغ ( 30) مليون جنيه، ودواء مرضى الخصوبة ” بوريفيد إف إس إتش” سعره ( 20) مليون جنيه، وأوضح أن المرضى يصلون إلى التجار، لأن بعضهم معروف للأطباء، وبمجرد أن يقول المريض أنه لم يجد ذلك الدواء، يقول له اتصل بهذا الشخص، وسيفيدك ويعطيه رقم هاتفه مثلاً.
صحيفة السوداني