تدفقوا إلى “أم ضواً بان” كحبات لالوب في يد درويش عصفت به الأشواق، وتنادوا كمن تسامعوا (نوبة) ذكر في حلقة شيخ يرجحن، فحلت الجلابيب من كل جنس، فيما النية واحدة، وهي إعادة هيبة (أهل الله) التي يرون أنها في طريقها لأن تدلق كمرق في نهاية مولد، ذلك ما لم يجتمع أهل (الصفة) السودانيين.
ولهذه الغاية التأم شمل ستين من أعلام التصوف، يوم (السبت) المنصرم بدعوى من الخليفة الطيب الجد، في المدينة التي يرتل القرآن في خلاويها ، التسمية الأولى (أم ضبان) كانت لأسراب النحل الذي يسكن أشجارها، ذلك قبل أن تلحقها تسمية تشير إلى درجتها في الإشعاع الصوفي فصارت (أم ضواً بان).
وبما أننا لسنا هنا في صدد الحديث عن المدينة، وإنما عن شيخ خلاويها، وما جرى فيها إثر دعوته لمتصوفة السودان، الذين تواثقوا على كتاب وثيقة لرئيس الجمهورية، تبين الحال والمآل، على أن يخطها الخليفة الجد، والشيوخ عبد الرحيم امرحي، عبد الوهاب الكباشي، الطيب الغزالي، عباس الفادني، ومحمد عبد الله التجاني.
شكوى
شكى صاحب الدعوة الطيب الجد من المادة (22) من قانون النظام العام والتي تتحدث عن الدجل والشعوذة، ومما قاله إنها باتت سيفاً على رقاب الصوفية، كما لم يحدث من قبل.
والجد في حديثه العام يريد في خصيصة نفسه والخاص أن يذكر بحادثة محاكمة أتباع للمتصوفة جرت معاجلتهم بهذه المادة أثناء تأدية شعائرهم باعتبار أن ما يفعلونه ابتداع ودجل، وذلك من دون جدل.
صحيح أن المحكمة برأت أولئك لاحقاً، ولكن الجد يحذر من كون هذه المادة مغرية على التمادي في سوق الصوفية من حلقات حافلة بالذكر إلى حلقات تتطوّق خلالها أياديهم بالقيد والأسر فيما هم على متن عربات الشرطة، وبالتالي يطالب بإسقاط المادة (22) مرة ومرتين وجاهز لذلك بمقدار ألفية (لالوب).
ما وراء الأكمة
السؤال الرئيس: هل المادة (22) كفيلة بأن تخرج الجب أثقالها، أم يا تراها مالها والخروج الآن؟.
يمكن استشعار السبب في حديث بروفيسور علي محي الدين وراق، والذي حذر مباشرة من تمدد الفكر السلفي الوهابي. ومعلوم بأن العلائق بين المتصوفة والسلفيين أحرقت مراكبها منذ عصور، فليس من عاصم من الغرق، إلا مواجهة العدو، فيما العداء موفور ويلتمسه كل فريق في الفريق الثاني.
ومع التحولات الأخيرة في المشهد الدبلوماسي، انفتح الخليج على السودان بمواقفه، وماله، وحتى رجاله الدينيون الذين يحجون إلى الخرطوم أكثر من مرة في العام للتبشير بفكر ديني يقول المتصوفة إنه لا يشبه الأرض السودانية، ولا يمكن أن ينبت فيها، وبالتالي فإن الزهاد المتصوفة لا يخفون قلقهم من أن يقود هذا الحلف إلى ضربهم في كل مكان، حتى في قلب معاقلهم.
وشهد السودان زيارات عديدة من قبل رجالات دين منتمين للفكر السلفي، آخرهم وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودي صالح بن عبد العزيز آل الشيخ.
ولأن الخليج تلحق به صفة النفطي كملازم طبيعي، فإن متصوفة السودان يقولون إن معركتهم القادمة ستكون ضد تمدد السلفية المسنودين بالرساميل الخليجية، ورضا السلطات في الخرطوم، وإن كان هذا على حساب (الطرق) التي دخل عن طريقها الإسلام إلى السودان.
ويدعو خريج الأزهر الشيخ حسن علي من على منبر “الصيحة” إلى نبذ الفتنة بين التيارات الإسلامية، لاعناً من يوقظها، وحاثاً على إدارة نقاشات متعمقة بين الفريقين، مع تنمية اللقاءات التي تنزع الغل، كزيارة إمام الحرم إلى مسيد الشيخ الكباشي.
ولكنه في المقابل –كذلك- يحث الدولة على عدم التدخل في الساحات الدينية إلا بمقدار التنظيم، وهي إشارة تجعل من الشيخ الإزهري يحذو حذو وراق النعل بالنعل، في ضرورة إعادة البصر كرة وكرتين في مسألة خلط الدين بدبلوماسية العلاقات الخارجية.
إخوة له من قبل
بيد أن شكوى المتصوفة من تأثيرات انفتاح السودان على الخليج، تلحق بها شكاوى للسلفيين، من سيطرة الأوائل بوزارة الإرشاد والأوقاف، فيما يقول المثل إن من يمسك القلم لا يكتب نفسه في زمرة الأشقياء.
أيضاً وإن شكى المتصوفة مال الخليج، فقد شكى أهل السلف من قبل من الآصرة التي تربط الغربيين بالمتصوفة، وتجعل من السفارات ورجالاتها حضرة في حلقات المديح النبوي.
يعود الشيخ حسن لينبه إلى أن المتصوفة لا يشكون بحال من المال الخليجي، لكون الصفة التي تلحق بالمتصوف عادة هي الزهد، ولكن ما يزعجهم هو وجود ظلال للسياسة في مسألة التمدد السلفي .
أما فيما يلي مسألة وجود ذات الظلال في علاقات (القبة) بالغرب، ينوه إلى أن تلك علاقة إعجاب بنوع تدين معتدل، في ظل وجود آخر متشدد يقود إلى الفتنة والدمار.
للسلطة
إن رأيتم المتصوفة في وزارات الإرشاد، قد ترونهم مستقبلاً في وزارات أخرى، حيث أن التنظيم تستتبعه المطالب، والمطالب عادة ما تكون لأجل المصالح، ودرء المفاسد، وهذا مما يظنه متصوفة السودان اليوم، جراء أخطار داهمة تواجههم وتحتاج إلى تكتلهم وربما لتقديم أسماء تكون نظيرة لأقرانهم من أنصار السنة وخلافهم من السلفيين القابعين في الحكم منذ سنوات.
وإن كانت الإشارة عاليه إلى استوزار السلفية، فتحتم الأمانة الإشارة إلى دفع الدراويش لمسيرة السياسة في حزبي الأمة والاتحادي منذ عهد مؤتمر الخريجين وإلى عهد الخريجين الذين باتوا عرضة لكل الأفكار.
تغيير
مع ذلك كله، يمكن القول إن علاقة الصوفية مع السلطة علاقة عداء، فالفكرة حين تأسست كانت وسيلة للهروب من الحاكمين العتاة الطغاة، ومع مرور الزمن شكل الزهد فاصلاً بين الصوفي والسلطة، في حالة أقرب ما تكون للعلمنة.
ولكن ذلك كله قد ينتفي، متى تحرك الـ (60) شيخاً سالكاً مدفوعين بحماسة الذاكرين، ومدحهم ومديحهم، لإحداث التغيير، بداية بمخاطبة البشير، وليس مستبعداً أن ينتهي ذلك بالتهام (كيكة السلطة) بعد آماد طويلة من أكل (الفتة).
الخرطوم : مقداد خالد
صحيفة الصيحة