بين قذارة السياسة ونظافتها عند يوسف لبس

وأنا أرقب مسرح العبث السياسي الذي تحتدم معاركه الضارية بين القوى السياسية والذي جعل من الحوار (الوطني) مسخرة يتندر بها الشارع السوداني بعد أن اكتشف الحقيقة المرة التي ظلت الأحزاب والقوى السياسية تنكرها وهي تخادع الشعب بثوب الملك العريان الذي تتسربل به بالرغم من أنها عارية حتى من ورقة التوت ، طفقت ابحث عن المثال بين ذلك الركام القذر من الممارسة السياسية الفاجرة التي تنذر بشر مستطير أخشى أن يسوق بلادنا إلى مآلات شنيعة أكاد أراها من وراء حجب الغيب رأي العين في بلادنا المتناحرة التي يتربص بها الأشرار في الداخل والخارج في انتظار الفتك بها وإغراقها في أتون حرب اهلية لا تبقي ولا تذر كالتي اصابت دولاً اخرى في محيطنا الإقليمي كانت آمنة مطمئنة قبل أن تهوي إلى درك سحيق وتصبح أثراً بعد عين.

نعم أخذت أبحث عن المثال مجسداً في أحد الشخوص تطمينا لنفسي المذعورة مما تراه من قبح سياسي يلف بلادنا في هذه الأيام النحسات سيما وقد أخافها هذا التكالب المقزز الذي أخر تشكيل الحكومة لمدة قاربت نصف العام ظلت بلادنا خلالها معطلة عن الفعل ، تسير بحكومة تصريف أعمال ربما لأول مرة في التاريخ الحديث.. فهل تراني وجدت ذلك المثال؟.

قبل أن أجيب أقول إنها السياسة التي (يبرطع) الشيطان في عرصاتها باعتبارها ابنته الكبرى التي يغوي بها وينزغ حتى بين الأحبة والأقربين وأصحاب الفكرة والمبدأ الواحد ناهيك عن المتشاحنين المتخاصمين المتغابنين ولذلك لا غرو ان يسير عليها المثل السائر في كل لغات الدنيا : السياسة لعبة قذرة :

politics is a dirty game

أقول ذلك وأنا أرقب الخلافات والخصومات المحتدمة داخل الأحزاب السياسية بل بين القوى السياسية والحزبية والتي وصل فجورها إلى إطلاق النار .

بين كل ذلك الركام السياسي القذر يطل وجه مختلف بسلوك ملائكي غريب يلح عليّ أن أسطّر عنه هذه الكلمات حتى يستحي أهل لعاعة الدنيا، القصيرة الفانية وإن طالت والتافهة وإن تبرجت بالقصور والكنوز القارونية.

المهندس يوسف لبس المتلبس بخلق لا يجارى ..رجل قضى داخل السجون 14 سنة (حذفت) من عمره بين الناس ولكنها لم تحذف عند الله العليم إن شاء الله تعالى.

زاره صلاح قوش ، سجانه وزميل الدراسة والعمل التنظيمي في جامعة الخرطوم حيث درسا الهندسة ..زاره بعد اطلاق سراحه طالبا منه العفو فقال له : لا أحمل في نفسي مثقال ذرة من المشاعر السلبية تجاهك .. العفو والعافية.

بربكم هل يعرف قيمة العفو إلا من أشرب قلبه وامتلأ بالإيمان ؟

شكراً صلاح قوش فقد كانت لفتة كريمة لكنها ليست كافية.

أعجب أن يوسف لبس ينتمي إلى ذات الإثنية القبلية التي ينتمي إليها خليل وجبريل ومناوي ولكن هل يجوز المقارنة بين الثرى والثريا ؟! .. أقول: شتان شتان .. هؤلاء خرجوا ليقودوا التمرد ويهلكوا الحرث والنسل ويقتلوا ويعطلوا مسيرة البلاد ويخربوا سمعتها بين العالمين، أما هو فقد كان صبره الجميل يحمله على التسامي والتحليق عالياً عالياً إلى ذرى لا يبلغها إلا من تذوقوا حلاوة تلك المراقي النورانية .. نعم لقد اختلف عن أولئك المتمردين لشيء وقر في قلبه هو ذلك الإيمان بل اليقين العميق الذي فرق بين الصديق أبي بكر وبين الأمة جمعاء والذي منحه الصديقية والتميز والمكانة الأسمى بعد الرسل والأنبياء على مر العصور والأزمان.

ظللنا في العمل السياسي نعاني من المتطلعين الذين يملؤون الدنيا ضجيجاً وزعيقاً عن المبادئ والقيم لكنهم سرعان ما يسقطون في ابتلاء الذات الفانية فيقودوا الفتن ويثيروا الاضطراب ويشعلوا الخلافات تحالفاً مع الشيطان الرجيم الذي لا يهوى مثال إثارة الخلاف وخراب البيوت والذي يجري من ابن آدم مجرى الدم وينسرب من ثغرة الطين المركوزة في جبلة الإنسان وهل عصى أبونا آدم ربه وانصاع للشيطان إبليس إلا بإغوائه من تلقاء قبضة الطين حين قال له (يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى)؟! وهل من وسيلة للشيطان أقوى للنيل من ثبات الإنسان على المبادئ من الصراع على (السلطة والخلود) الموروث من الأب الأكبر آدم؟.

لذلك وحده رفع الشهداء الذين يقهرون النفس وشحها ويزهقون الروح والعمر في سبيل المبدأ .. رفعوا مكاناً علياً ولذلك وصف من يوق شح نفسه بالفلاح وهل من فلاح أكبر من قهر النفس الأمارة بالسوء؟

مُنح يوسف لبس في معركة المناصب التي تشرئب إليها الأعناق ويحتدم الصراع عليها هذه الأيام ..مُنح عضوية البرلمان وهو الأحق بمنصب أرفع ولو على سبيل التقدير والعرفان والتعويض وقبلها منح نائب أمين أمانة في هيكل تنظيم المؤتمر الشعبي ولكنه لم ينبس ببنت شفة فمثله لا يغرق في (شبر موية) شأن الصغار الذين يملؤون الدنيا صراخاً عن ابتلاءاتهم وسجونهم أما هو (السجين الأكبر) فيصمت مندهشاً مما يفعل الصغار المتزاحمين أمام أبواب السلاطين.

زفرة حرى ما أردت بها إلا مناصحة نفسي التي بين جنبي ومناصحة قيادات حزبي والأحزاب الأخرى فوالله لن ينصلح حال الوطن ما لم نغيّر ما بأنفسنا ونقدم المثال في السلوك السياسي الراشد ذلك أن فاقد الشيء لا يعطيه فهلّا التزمنا الصدق في ممارستنا السياسة وهلّا أحلنا السياسة إلى لعبة نظيفة ؟

زفرات حرى – الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة

Exit mobile version