أزمة اتحاد الكرة السودانية الحالية خطيرة عميقة ولها ما بعدها.. هي أزمة رباعية الأبعاد بين اتحاد الكرة الحالي، واتحاد الكرة المنتخب في 30 أبريل، والحكومة والفيفا.. الاتحاد الحالي تم انتخابه في يوليو 2013 وحسب قانون الرياضة لسنة 2016 تنتهي فترته في 30 يوليو 2017.. في العام 2014 قرر الفيفا توحيد شكل ومضمون الأنظمة الأساسية لكل اتحاداته الوطنية، وأرسل مشروعاً نموذجياً لكل الاتحادات لتوفق أوضاعها وإنشاء نظام أساسي جديد وفق النموذج يصبح سارياً بعد موافقة الفيفا عليه.. في فبراير 2017 كوَّن الاتحاد الحالي لجنة برئاستي لوضع نظام أساسي متماشياً مع نظام الفيفا النموذجي.. سلمنا اتحاد الكرة مقترح نظام أساسي مطابق للنموذجي بنسبة 98%، وذلك في 2 مارس 2017.. في الثاني من أبريل 2017 تدخل مولانا أحمد هارون للتوفيق بين الفئتين المتصارعتين في الإنتخابات التي حددتها الفيفا في 30 يوليو 2016 ، بناءً على طلب الاتحاد الحالي لمنحه مهلة لتوفيق أوضاعه بعد صدور قانون جديد للرياضة في أبريل 2016 وافقت الفيفا على الطلب ومنحت الاتحاد مهلة حتى 30 أبريل 2017 لإجراء انتخابات وفق النظام الأساسي الجديد المصدق من الفيفا.. تم تكوين لجنة وفاق برئاسة مولانا أحمد هارون في اجتماع في مكتب النائب الأول لرئيس الجمهورية.. قامت لجنة مولانا أحمد هارون في ثلاثة أيام فقط بتعديل النظام الأساسي الذي قدمته لجنتنا بعد مداولات استغرقت 30 يوماً..
في 5 أبريل عقد الاتحاد الحالي جمعية عمومية طارئة لإجازة النظام الأساسي المعدل بواسطة لجنة مولانا أحمد هارون، وانتخاب لجنة محايدة للانتخابات التي حدد لها يوم 30 أبريل 2017.. تمت إجازة النظام الأساسي وأرسل للفيفا في 8 أبريل، وتم انتخاب لجنة برئاسة المهندس أحمد أبو القاسم هاشم، وعضوية خمسة آخرين للإشراف على انتخابات 30 أبريل.. قامت اللجنة بكل اجراءات الانتخابات من ترشيح وطعون وإعداد بطاقات الإقتراع.. تقدمت مجموعتان للترشيح- مجموعة الاتحاد الحالي برئاسة د. معتصم جعفر، ومجموعة الفريق أول عبد الرحمن سر الختم، وتم الإعداد الكامل لعملية الإقتراع في أكاديمية العلوم الرياضية في تمام الساعة الحادية عشرة من يوم 30أبريل 2017… يوم 28 أبريل أبرز مجلس إدارة الإتحاد خطاباً من الفيفا رداً على مكاتبات غير معلنة من الإتحاد السوداني الحالي.. خطاب الفيفا يقول: (قرار المكتب التنفيذي للفيفا- نرجو أن نفيدكم بأن الوضع في الإتحاد السوداني تمت إحالته للمكتب التنفيذي يوم 27 أبريل 2017.. المكتب التنفيذي أحيط علماً بأن الاتحاد السوداني طلب منحه مهلة أخرى حتى يتمكن من إجراء انتخابات مجلس إدارته الجديد.. تحت هذه الظروف قرر المكتب التنفيذي في 28 أبريل 2017 منح الإتحاد السوداني مهلة أخرى حتى 30 أكتوبر 2017 لإجراء انتخابات وفق النظام الأساسي المصدق من الفيفا، وإلا سوف يتم تجميد الاتحاد السوداني تلقائياً وفوراً لحين إجراء الانتخابات.. إضافة الى ذلك قرر المكتب التنفيذي إرسال بعثة مشتركة من الفيفا والكاف في يونيو 2017 لتقييم الوضع في الاتحاد السوداني.. فاطمة سامورا- السكرتير العام) بناءً على هذا الخطاب قام رئيس الاتحاد د. معتصم بإخطار لجنة الانتخابات وإعلان حلها بواسطة رئيسها أحمد أبو القاسم، بالرغم من أن اللجنة تكونت بقرار جمعية عمومية لا يجوز لرئيس الاتحاد أو رئيس لجنة الانتخابات حلها،علماً بأن قرار رئيس اللجنة لم توافق عليه أغلبية أعضاء اللجنة، إذ رأى أربعة أعضاء من الستة استمرار اجراءات اللجنة وإجراء الانتخابات، وبالفعل أعلن نائب رئيس اللجنة مولانا عبد العزيز سيد أحمد مواصلة الاجراءات وتمت الانتخابات مساء الأحد 30 أبريل باستاد الخرطوم، وحضر الجمعية ثلثا عضويتها- (48) من 74- وتم انتخاب الفريق أول عبد الرحمن سر الختم رئيساً وعضوية آخرين لإدارة مجلس الاتحاد الجديد.. لم يتمكن المجلس الجديد للاتحاد برئاسة الفريق أول عبد الرحمن سر الختم تولي مهامه حتى الآن لعدم اعتراف المجلس الحالي بالانتخابات التي جرت يوم 30 أبريل.. المجلس الحالي برئاسة د. معتصم يواصل حتى الآن تسيير أعمال الإتحاد من داخل مبانيه.
البُعد الثاني في الأزمة هو الاتحاد المنتخب يوم 30 أبريل، والذي يرى شرعية وقانونية الانتخابات لعدم قانونية حل لجنة الانتخابات بواسطة رئيس المجلس الحالي د. معتصم، لأن اللجنة المحايدة للانتخابات تم تكوينها بقرار من الجمعية العمومية، والتي هي الوحيدة التي لها الحق في حل لجنة الانتخابات وإيقاف اجراءاتها، لذلك قرر المجلس الجديد اللجوء للقضاء لتنفيذ استلام المباني من الاتحاد الحالي.
البُعد الثالث هو الحكومة، التي أكدت وقوفها في الحياد بالرغم من تدخل لجنة مولانا أحمد هارون الوفاقية.
من ردود الفيفا على خطابات الاتحاد الحالي واضح فيها اتهام من المجلس الحالي بالتدخل في أعمال الاتحاد، لذلك كررت الفيفا قرارها بإرسال بعثة في يونيو لتقصي الحقائق بالرغم من قرارها الحاسم بمد اجراء انتخابات وفق النظام الأساسي المصدق منها في أو قبل 30 أكتوبر، وإلا سوف يجمد الاتحاد السوداني.. فلماذا تريد إرسال وفد بعد هذا القرار الحاسم الواضح والذي يعني أنها لن تجمد السودان قبل يوم 30 أكتوبر.
البُعد الرابع هو الفيفا- واضح أن هناك مكاتبات سرية من الاتحاد الحالي الى الفيفا.. لم تطلب الفيفا في خطابها يوم 28 أبريل رداً على خطاب من مجدي شمس الدين يوم 27 أبريل أكثر من منح الاتحاد السوداني مهلة جديدة حتى 30 أكتوبر 2017م، ولم يتطرق خطابها الى وقف اجراءات أي انتخابات داخلية في السودان، ولم يتطرق الى شرعية استمرار المجلس الحالي إلا في خطابها يوم 3 مايو 2017 رداً على خطاب من د. معتصم يوم 30 أبريل، إذ أضافت الى قرارها السابق فقرة تقول: (نحيطكم علماً بأنه يجب أن يبقى مجلسكم الحالي في إدارة شؤون الاتحاد السوداني لحين اجراء انتخابات وفق النظام الأساسي المصدق من الفيفا في أو قبل 30 أكتوبر.. وأضاف الخطاب في فقرة ثالثة ما يلي:
(نذكركم أيضاً بناءً على المواد (14) و(19) من نظام الفيفا الأساسي، والتي تلزمكم بممارسة إدارتكم نشاط كرة القدم دون تدخل طرف أو أطراف ثالثة.. عدم التزامكم بذلك يعرض إحالة اتحادكم الى لجان الفيفا المختصة، والتي قد تفرض عليكم عقوبات).
هذا كان مضمون ونص آخر خطاب من الفيفا يوم 3 مايو 2017.. الإشارات المهمة في هذا الخطاب هي:
أولاً: إلزام الإتحاد السوداني مجدداً بإجراء انتخابات وفق النظام الأساسي المصدق من الفيفا في أو قبل 30 أكتوبر 2017.
ثانياً: اعتماد استمرار الاتحاد الحالي حتى اجراء تلك الانتخابات.
ثالثاً: أن الفيفا أحيطت علماً بواسطة الاتحاد الحالي أن هناك تدخلاً حكومياً.. ملاحظتي الخاصة من ردود الفيفا أنها ليست على علم بأن الاتحاد الحالي الذي انتهت فترته يوم 30/7/2016- حسب القانون السوداني للشباب والرياضة لعام 2003- أو أن تنتهي مدته يوم 30/7/2017 -حسب القانون الجديد لسنة 2016- لذلك في أحسن الحالات حتى لو تم اعتماد نهاية دورة الاتحاد الحالي في يوليو 2017 فإن هناك فترة زمنية سيكون فيها فراغ قانوني من 30 يوليو 2017 الى 30 أكتوبر 2017، ولا تستطيع الفيفا التدخل في شأن محكوم بقانون سيادي للدولة، ملزم لكل الهيئات الشبابية والرياضية في السودان، وقطعاً كل الاتحادات الوطنية الأعتضاء في الفيفا محكومة بقوانين وطنية سيادية لأنها لا تمارس نشاطها في غابة والفيفا حسب علمي لا اعتراض لها على كيفية إدارة الرياضة في كل دولة وفق قوانين عامة دستورية..
لذلك كله أصبحت أزمة الإتحاد السوداني لكرة القدم بالغة التعقيد.. الحل في رأيي لتفادي التجميد في مقترحين لا ثالث لهما- إما أن يستعجل الاتحاد الحالي الفيفا في إرسال النظام الأساسي المصدق قبل نهاية يونيو 2017 ليجري الاتحاد الحالي انتخابات بموجبه في أو قبل 30 يوليو 2017، أو أن يستلم الاتحاد المنتخب مهامه في 30 يوليو 2017 ويجري انتخابات في أو قبل 30 أكتوبر وفق النظام الأساسي المصدق من الفيفا.. علماً بأن استلام أية جهة منتخبة بعد فترة من تاريخ الانتخاب ليس بدعة، فالرئيس الأمريكي المنتخب يستلم مهامه بعد شهرين من تاريخ انتخابه.
تقرير: عمر البكري أبو حراز
صحيفة آخر لحظة