كشفت متاحف قطر بالتعاون مع المعهد الألماني للآثار يوم الخميس، عن أحدث النتائج التي توصل إليها الطرفان في مشروع الدراسة المسحية لجنوب قطر، بالإضافة إلى المشروع القطري – السوداني للآثار الذي يستمر على مدار خمسة أعوام، وذلك خلال عرض تقديمي احتضنه مبنى مطافئ.. مقر الفنانين.
وقال السيد علي جاسم الكبيسي، المدير التنفيذي لقطاع التراث الثقافي بمتاحف قطر بالوكالة في تصريح اليوم، إن هذه الفعالية تأتي احتفاء بالعام الثقافي قطر-ألمانيا 2017، من أجل أن تشارك متاحف قطر أحدث نتائج مشروعاتها التي تنفذها بالتعاون مع شركائها في المعهد الألماني للآثار، فضلا عن كون ذلك يأتي استكمالا للجهود الحثيثة في متاحف قطر لدعم التراث من خلال التعاون مع خبراء عالميين واستضافة مؤتمرات دولية والبحث عن شركاء يشاطرون متاحف قطر رؤيتها.
وأوضح الكبيسي أن هذه المشروعات وغيرها من المبادرات المماثلة تعد خطوة أخرى على درب الحفاظ على تراثنا وتعريف أجيال المستقبل بقيمته.
وقدم العرض الأول البروفيسور ريكاردو ايخمان، مدير أول قسم الشرق في المعهد الألماني للآثار، مستعرضا نتائج المشروع المسحي في جنوب قطر المعني بجمع معلومات مكثفة عن تاريخ الاستيطان في قطر خلال العصور.
ويركز المشروع تحديداً على دراسة الجزء الجنوبي من قطر بإجراء دراسات مسحية وتنفيذ مهام تنقيب لتوثيق المواقع الأثرية الطبيعية في عصور ما قبل وبعد التاريخ.
وقال ريكاردو إن منطقة جنوب قطر حافلة بطوبوغرافيا متنوعة تشير إلى حركة سكانية بدءا من العصر الحجري الحديث وبالخصوص في منطقة العسيلة، حيث تم تحديد حوالي مائتي موقع بها، لافتا في الآن ذاته إلى أن أربعة عشر موقعا قد تم التنقيب عنها وتعود إلى الفترة الهلسينية.
وأوضح أنه على أطراف العسيلة تم اكتشاف آثار للصوان ووجود آثار تشابهات مع جنوب الشام، في حين أنه في موقع آخر تم توثيق أزيد من سبعة آلاف قطعة من حجر الصوان، مشيرا إلى أن العصر الحجري الحديث له آثارا في حوض العسيلة. لينتقل بعد ذلك إلى الحديث عن العصر الإسلامي حيث توجد الفخاريات وقلعة تطل على الحوض.
وأثناء انتقاله لإلقاء الضوء على موقع أم الحول الذي يعود إلى منتصف القرن التاسع عشر، أبرز أن هذا الموقع كان مستوطنة ساحلية وأن الجزء الغربي فيه كان مبنيا على “صبخة”، حيث توجد الأبراج الدائرية وبيوتات تمتح من خصائص بناء الخليج. أما الأنشطة الداخلية، فيشار إليها عبر المدافئ وبقايا السمك، منوها بأن موقع أم الحول هو الوحيد الذي كان معززا بجدار، إذ كان سكان هذه المنطقة من الأغنياء الذين اشتهروا بصيد اللؤلؤ والاتجار فيه.
وأشار إلى فترة العبيد التي كانت في الهلال الخصيب حيث بدأ استئناس الإنسان بالزراعة وتدجين الحيوانات.
ودعا ريكاردو في ختام حديثه إلى استمرار البعثات في إجراء دراسات متخصصة في الثقافة المحلية لهذه المناطق.
وفي ذات السياق، قال السيد فيصل النعيمي، مدير إدارة الآثار بمتاحف قطر في تصريح لوكالة الأنباء القطرية “قنا”، إن التعاون مع المعهد الألماني للآثار يأتي ضمن مشروع مسح جنوب قطر، خصوصا أن المعلومات عن هذه المنطقة قليلة بالمقارنة مع شمال قطر.
مشيرا إلى أنه في السابق تم تسجيل عدة معلومات عن الاستيطان البشري في جنوب قطر وبدأ العمل بمنهجية علمية للتنقيب في موقعين أحدهما كان مهددا بالزحف العمراني وهو “أم الحول” بالإضافة إلى موقع العسيلة وتم تحديد الأماكن التي توجد بها أدوات صوانية تعود للعصر الحجري الحديث والتي كانت سائدة آنذاك بما يثبت أهمية الموقع، ويعزز البعد الثقافي لقطر. وأوضح النعيمي أن متاحف قطر تختار البعثات التي لها كفاءة ومختصون.
أما المهندسة ألكسندرا ريدل، رئيس مشروع البعثة القطرية لأهرام السودان، فتحدثت عن جهود البعثة التي بدأت أعمالها للحفاظ على موقع التراث السوداني العالمي مروي (البجراوية) من خلال العناية بأهرام الموقع ومعابده الجنائزية ومقابره القابعة تحت الأرض.
وتعتبر “مروي” أحد أهم المواقع الأثرية في السودان، إذ أصبحت ذات قيمة تاريخية عالمية في العام 2011 عندما تم تسجيلها ضمن قائمة مواقع التراث العالمي كجزء من المواقع الأثرية لجزيرة مروي.
وقدمت ألكسندرا توطئة تاريخية عن هذه المنطقة، مشيرة إلى أن مشروع البعثة القطرية يركز على العمل في مواقع أهرامات مملكة كوش بداية بموقع أهرامات مروي بالبجراوية.
وتتركز أهداف البعثة في القيام بالأبحاث الأثرية وصيانة وترميم وحماية هذه الصروح وتطوير خطة مستدامة لإدارة الموقع وتطوير السياحة.
وأبرزت رئيس مشروع البعثة القطرية لأهرام السودان، أن البعثة تعمل جاهدة على مكافحة زحف الرمال بالموقع كواحد من المشاريع المصاحبة لمشروع الأهرامات، باسطة بعض السبل التي يتم تطبيقها من قبيل زراعة الأحزمة الخضراء ودراسة اتجاه الرياح وبناء جدران لتوجيه حركتها.
وعرّجت على جهود عالم الآثار الألماني فريديريش هنكل الذي وهب حياته لدراسة الآثار والعمارة القديمة في السودان، حيث أعدّ أرشيفا ضخما خاصا بهذا العمل والذي يوجد الآن لدى المعهد الألماني للآثار.
وأخبرت ألكسندرا أنه خلال العام الماضي قامت البعثة بمسح الآثار والمقابر وبعض المقالع مما مكنهم من العثور على آثار تعود للعصر الحجري القديم واكتشاف كتابات إثيوبية وأخرى تعود للفترة المسيحية ثم الفترة العربية.
وأضافت: “أجرينا خططا وخرائط وتوثيقا فوتوغرافيا عالي الجودة، كما أعدنا التنقيب عن غرف المقبرة حيث توجد صور جميلة ونقوش.
وتحدثت عن بعض الصعوبات التي واجهتها البعثة والمتمثلة في تآكل الأحجار وإعادة طلائها بطلاء يشبه الحجر أو صنع حجر يشبه الحجر القديم والاستعانة به في الترميم، منبهة إلى أن هناك مخاطر أخرى من قبيل ارتفاع الأهرامات وتساقط الأحجار.
ومن أجل إتاحة الفرصة للزوار للتعرف على هذه الكنوز الأثرية التاريخية، أبرزت ألكسندرا أن البعثة تسعى لدعم الأساسات والجدران لتكون آمنة، موضحة في الآن ذاته أن الموقع بدأ يستقطب الزوار من الشباب السوداني، بالإضافة إلى زوار من شتى أنحاء العالم ومن فئات عمرية مختلفة.
وبخصوص الخطط المستقبلية للمشروع، أكدت أن هناك مشاريع موازية لبناء مخيمات سكنية لإقامة البعثات، وسوف تستخدم هذه الإقامات لتهيئة الموقع وتكون منتجعات سياحية أثرية، حيث في مجمع البركل هناك مجمع سكني وفي البجراوية بمروي يوجد مجمع أيضا، بالإضافة إلى تطوير مبنيين، الأول سيكون عبارة عن متحف والثاني مخصص للفعاليات، فضلا عن إنشاء برنامج تعليمي وتربوي للأطفال انطلاقا من الصيف المقبل.
يشار إلى أن المشروع القطري السوداني للآثار، يمتد من خمس إلى سبع سنوات، مرت منها أربع سنوات، حيث بدأ فعليا نهاية 2013، وهو مبادرة مشتركة بين قطر والسودان تهدف لخدمة التراث الأثري الزاخر في جمهورية السودان.
وتعمل البعثة القطرية بتعاون وثيق مع الهيئة العامة للآثار والمتاحف في الخرطوم ومع المعهد الألماني للآثار في برلين ـ ألمانيا.
الدوحة – قنا