“من هنا يبدأ التاريخ”: حضارة السودان بلسان أعجمي

ربما بدا مفاجئاً الإعلان عن التحضير لفيلم “من هنا يبدأ التاريخ” في الخرطوم، بعد زيارة أولى للجهة المنتجة ممثّلة بـ”شبكة مرسال قطر” (مشروع شاب يبثّ أخباراً محلية قطرية على وسائل التواصل الاجتماعي) إلى مواقع التصوير التي تشتمل على “المتحف الوطني” والعديد من الآثار المنتشرة على طول البلاد.

العمل الذي يُنتج بمبالغ كبيرة لم يكشف عنها بعد، سيتشارك في بطولته النجمين الأميركييْن أنجلينا جولي وليوناردو دي كابريو، ويُخرجه المكسيكي أليخاندرو غونزاليز إيناريتو، بنية أن يترجم يُترجم إلى ثلاث لغات ويبثّ على “شبكة الجزيرة” وفق ما أعلنته الجهة المنتجة.

على أهمية الفكرة التي يسعى القائمون عليها، إلى إلقاء الضوء على الحضارات القديمة في السودان، فإن المفارقة الأولى تبدو في عدم إشراك كوادر سودانية في الفيلم الذي يرتكن في دعايته إلى نجوم سينما غربيين، ربما يستطيعون شدّ انتباه سياح محتملين لكن من خلال النظر إلى المكان وأهله بعين من خارجه.

المفارقة الثانية تتصل بعجر الحكومة السودانية عن ترويج إرث ثقافي يعود إلى آلاف السنين، بل ويعلم كثيرون من الدارسين أن الآثار السودانية تضاهي نظيرتها المصرية، التي تتشترك معها في جذورها الحضارية، وتتفوّق عليها في تنوّعها الذي أملته تأثيرات أفريقية.

وإذا كان الترويج للسياحة في السودان يحتاج إلى مساهمة عربية وغربية، فهل ستنجح هذه المساهمات في تطوير البنية التحتية للآثار، والتشريعات التي من شأنها الحفاظ عليها، وإلى تحسين إدارتها التي تعاني التخلّف والإهمال، وهل سيقوم فيلم سينمائي بكّل هذه المهمّات وغيرها؟

الحديث عن التقصير الرسمي تجاه السياحة، ينبّه إلى تكرار الحالة ذاتها مع السينما التي توّقفت عن الإنتاج منذ ثمانينيات القرن الماضي بسبب قلّه الدعم في بلد لا تزيد قاعات العرض فيه عن ثلاث، بعد أن تحوّلت معظمها إلى مجمّعات تجارية.

باءت معظم المبادرات لإعادة إحياء السينما السودانية بالفشل، ما أدّى إلى تراجع الحركة الفنية، وإلى تكريس العزلة المفروضة على الخرطوم، والذي كان بإمكان صنّاع الفن السابع اختراقها عبر تصوير حركة المجتمع وتحوّلاته، والإضاءة على تراثه الذي لا يكاد عرف عنه العرب وغيرهم إلا القليل.

بالعودة إلى فيلم “من هنا يبدأ التاريخ”، فإن المأمول من هذه النتاجات أن يتفاعل معها السودانيون أنفسهم ليتمكّنوا من التعبير عن حاضرهم قبل ماضيهم.

العربي الجديد

Exit mobile version