حماس ووثيقتها

قامت الدنيا ولم تقعد ، بسبب الفقرة (20) الواردة في وثيقة المبادئ والسياسات العامة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) الصادرة في الأول من مايو 2017م ،

التي جاء فيها (إن إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس على خطوط الرابع من يونيو 1967 هي صيغة توافقية وطنية مشتركة)، واعتبرت هذه الفقرة من الوثيقة انعطافاً تاريخياً في مسيرة حماس وتغييراً هائلاً في نهجها وخطها ومسيرتها ، بل عدها البعض مروقاً عن درب المقاومة ومساومة سياسية ستودي بها الى قاع التسوية وربما التطبيع التدريجي كما فعلت حركة فتح من قبل .

> وانشغل الإعلام الدولي خاصة الإعلام الصهيوني وجله هو الإعلام العربي نفسه بإبراز هذه الفقرة باعتبارها هي نقطة التحول التي جاءت بها الوثيقة الحماسية ، واعتبر كثير من المحللين أن التحولات الجارية في المنطقة والضغوط التي تعرضت لها المقاومة الفلسطينية وانعدام الحليف والظهير والإقليمي والدولي خاصة ما جرى في سوريا التي كانت تقف مع حماس وجفاف منابع الدعم المالي وتآكل الدعم السياسي، إلا من دول بعينها ، هو الذي جعل الحركة تراجع ما لديها وتصل الى هذه الصياغة للفقرة (20) من الوثيقة ، في ذات الوقت لم تجد دولة الكيان الصهيوني غير أن تصف خطوة حماس بأنها خداع للعالم. فأين الحقيقة يا ترى ..؟؟!

> من يقرأ الوثيقة بدقة يكتشف أن ثوابت حماس كما هي باقية لا تغيير فيها ولا انحراف ، فالوثيقة تتكون من مقدمة طويلة تصف أرض فلسطين وقضيتها وشعبها تصفها بدقة كما جاء في كل أدبيات حماس السابقة ، ثم تبدأ فقرات الوثيقة بدءاً بتعريف حركة حماس في فقرة (1) ، وأرض فلسطين وشعب فلسطين في الفقرات (2، 3 ، 4،5 ،6) ، وتنطلق لوثيقة في الحديث عن الإسلام وفلسطين في فقرات متعددة ، وبعدها تفرد فقرتي (10،11) للحديث عن القدس الشريف والمسجد الأقصي ، وتعرض مأساة اللاجئين الفلسطينين وحق العودة ، وتؤكد رفضها لأية محاولات لتوطين اللاجئين والنازحين وأي وطن بديل وحقهم في العودة وتعويضهم .

> وتفرد وثيقة حماس الفقرات (14 ، 15 ، 16 ، 17) للحديث عن المشروع الصهيوني وتشرحه شرحاً وافياً هو ذات ما ظلت حماس تعبر عنه وتعتقد فيه منذ تأسيسها على يد الشهيد الشيخ أحمد ياسين رحمه الله .
> وفي الفقرات (18 ، 19، 20، 21 ، 22 ، 23 ) ترفض حماس صراحة وتجدد موقفها الرافض لكل من تصريح بلفور وصك الانتداب البريطاني وقرارات الأمم المتحدة بالتقسيم وكل ما ترتب عليها او ماثلها من إجراءات وقرارات وأن قيام إسرائيل باطل من أساسه ومناقض لحقوق الشعب الفلسطيني وإرادته وإرادة أمته.

> وتعلن في هذه الفقرات أنه لا اعتراف بشرعية الكيان الصهيوني وأنه احتلال واستيطان وتهويد ، ولا تنازل عن أي جزء من أرض فلسطين مهما طال الاحتلال وترفض حماس أي بديل عن تحرير فلسطين تحريراً كاملاً من نهرها الى بحرها .
> ونأتي الى مربط الفرس في الفقرة (20) حيث تقول الفقرة وصلاً لما جاء في الفقرات السابقة التي تؤكد فيها على مواقفها وثوابتها القوية ( ومع ذلك – بما لا يعني إطلاقاً الاعتراف بالكيان الصهيوني ولا التنازل عن أي من الحقوق الفلسطينية فإن حماس تعتبر إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة ، وعاصمتها القدس ، على خطوط الرابع من يونيو 1967 ، ومع عودة اللاجئين والنازحين الى منازلهم التي أخرجوا منها، هي صيغة توافقية وطنية مشتركة ) ، هذه الصياغة لا تعني على الإطلاق أن حماس تخلت عن مواقفها السابقة لأنها أردفت هذه الفقرة بفقرات أخرى تتحدث عن رفضها لاتفاقيات أوسلو وملحقاتها التي تخالف قواعد القانون الدولي وترفض ما ترتب عليها من التزامات على الشعب الفلسطيني، كما ترفض جميع اتفاقيات التسوية والمبادرات ومشروعاتها الرامية الى تصفية القضية الفلسطينية .

> وتحدثت الوثيقة في الفقرات (24 ، 25، 26) عن المقاومة والتحرير مؤكدة تمسكها بنهج المقاومة بالوسائل والأساليب كافة ، وعدم تخليها عن سلاحها وحقه في تطوير مقاومتها ، وأن أساليب إدارة الصراع بالوسائل المختلفة ليس على حساب المقاومة ..
> وتناولت الوثيقة في فقرات طويلة (من 27، حتى 34) النظام السياسي الفلسطيني وما ينبغي أن تكون عليه الدولة الفلسطينية كاملة السيادة على كل التراب الوطني الفلسطيني وعاصمته القدس ، وعن التعددية والديمقرطية وبناء المؤسسات ودور السلطة الفلسطينية واستقلالية القرار الوطني .
> وتختتم حماس وثيقها بباب كامل من الفقرات (35 حتى 42) عن الأمة العربية والإسلامية وعلاقتها بها ، وعن الجانب الإنساني الدولي وأبعاد القضية الفلسطينية في الفضاء العالمي وأهميتها.

> ويلاحظ من هذه القراءة المتعجلة في وثيقة حماس أن إعلام الدول استل الفقرة عشرين بعيداً عن سياقاتها الموضوعية وصياغتها الدقيقة، وطرحها كأن حماس قد تنكبت الطريق وخانت القضية الفلسطينية ، في حين أن الفقرة (20) تتحدث عن واقع حال تقريري ، ليس بالضرورة هو موقف محدد وقاطع..

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة

Exit mobile version