مما لا شك فيه أن الإنسان مخلوق اجتماعي لا يمكن أن يعيش بمعزل، فسعادته وتقديره لذاته وتحكمه في حالاته الانفعالية كلها تتأثر بعلاقاته مع الآخرين؛ فالعلاقات تعد جانبا محوريا للإنسان، فهي إذا كانت إيجابية تحقق له العيش الرغيد والرفاهية عن طريق كسب ود الآخرين وتعاطفهم أو بالعكس إذا كانت سلبية.
وتعتبر العلاقات الإنسانية أول خطوة لنجاح الإنسان في حياته وفي تعامله مع الآخرين، ويتميز الأفراد الذين يضعون مبدأ العلاقات الإنسانية في أول سلم أولويات تعاملهم بالذكاء العاطفي، فالمشاعر ضرورية للتفكير والتفكير مهم للمشاعر.
والذكاء العاطفي يعني القدرة على فهم الآخرين والتصرف الحكيم في العلاقات الإنسانية، فهو الوعي بالذات والتعرف على شعور ما وقت حدوثه والقدرة على رصد المشاعر من لحظة إلى أخرى، ويعتبر عاملا حاسما في فهم النفس؛ فالأشخاص الذين يثقون في أنفسهم هم أفضل من يعيشون حياتهم لأنهم يمتلكون قدرة ثاقبة في كل ما يقومون به من أفعال، والذكاء العاطفي يعني أيضا التعرف على مشاعر وعواطف الآخرين والوعي بالانفعالات، إذ إنه يدفع الأفراد الذين يمتلكونه إلى الإيثار والتضحية ومد يد العون للناس ما أمكن ذلك. ويعد فن العلاقات الإنسانية مهارة في تطويع عواطف الناس، فهو قدرة تمتع الأفراد بالشعبية والقيادة والفاعلية في بناء العلاقات مع الآخرين والتفاعل البناء معهم والعلاقات الإنسانية ترتبط ارتباطا وثيقا بالذكاء العاطفي الذي يعني القدرة على الاستخدام الذكي للعواطف وتوجيه السلوك بحيث يؤثر إيجابا في الناس، فمتى ما امتلك الإنسان الذكاء العاطفي تمكن من بلورة علاقاته بشكل فاعل. والذكاء العاطفي يتعلق بالذكاء الاجتماعي الذي هو جزء من الذكاء العاطفي وهو القدرة على الفهم وتنظيم العمل بحكمة مع العلاقات الإنسانية، وهو توجه اجتماعي ونفسي يتسم بالقدرة على فهم سلوكيات الآخرين وتقديم الأداء الحسن في المواقف الاجتماعية والتواصل مع الآخرين.
والشخص الذكي اجتماعيا يتميز بالثقة العالية بالنفس وله ميل شديد إلى حب الناس والتفاعل معهم وفق مبدأ العلاقات الإنسانية، فهو يصغي إليهم بشكل جيد ويعرف ماذا يقول وكيف يقول ويتمكن من إدارة عواطفه، فلا تهزه المواقف المثيرة للضغوط لأنه يمتلك القدرة على التنظيم الذاتي والتعاطف مع الآخرين.
وللعلاقات الإنسانية فوائد جمة، منها أنها تبعد الاضطرابات النفسية والمشاحنات والبغضاء والنميمة والحقد والحسد، وترفع من الروح المعنوية للأفراد وتعزز التعرف على الناس والاطلاع على ثقافاتهم وعاداتهم وإقامة علاقات طيبة ومنتجة معهم، وتبادل قيم التضحية والإيثار والتعاون تيمنا بقوله تعالى: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، فالعلاقات نعمة حبانا الله بها وحثنا على المحبة والتعاون من خلالها لقوله سبحانه: «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان». من هذا المنطلق نجد أن الناس الذين يتركون لدينا من خلال العلاقات الحسنة آثارا مفرحة تعيش فينا وتحرك مشاعرنا وتعزز لدينا الذكاء الاجتماعي والعاطفي وتحبب لنا نعمة العلاقات الطيبة يحظون بدعواتنا وحبنا ونشتاق إلى التواصل معهم، فهم أشبه بجذور العشب التي تستمر في امتدادها لتحول كل بقعة تطولها إلى أرض خضراء نضرة تسر الناظرين. إن الذين يؤمنون بالعلاقات الإنسانية ويوظفون ذكاءهم العاطفي والاجتماعي هم كثر لا تميزهم ثقافة معينة أو يحدد سلوكياتهم بلد محدد، فالطيبون موجودون في كل بقاع الأرض، ولنأخذ على سبيل المثال لا الحصر الأشقاء السودانيين أصحاب الأيادي المعطاءة والقلوب البيضاء، فهم يتمتعون بذكاء عاطفي واجتماعي خارق توجهه العلاقات الإنسانية الراقية وتتوجه دماثة الخلق والقول الحسن. السودانيون من الشعوب الهادئة التي تتسم بالاتزان الانفعالي وحب الناس وحب الخير، فهم يعملون بصمت وصدق ليمثلوا أنفسهم وليكونوا سفراء مخلصين لبلادهم، ويعكسون مثلها ويمارسون السلوكيات التي ربتهم عليها. إن التعامل المتكرر مع هذه الفئة الرائعة أمثال أ. جميلة البشير التي أثرت مدارس البحرين بخبراتها المتميزة وتركت طابعا رائعا عن أصالة السودانيين وحبهم للعطاء الذي لا ينضب والدكتورة هالة فوزي المربية الفاضلة التي دأبت على متابعة طلبتها حتى بعد تخرجهم والدكتور إسماعيل المهدي الذي اعتاد تعزيز اهتمامات طلبته بمتابعة تاريخ البحرين العريق وتراثها الرائع والاعتزاز بالهوية الوطنية، يدفعنا إلى الجزم بأن قول الله سبحانه: «ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة» ينطبق على كل الخيرين أينما وجدوا، ومن ضمنهم الشعب السوداني الشقيق الذي يعد أنموذجا للرقي وخدمة المجتمع الإنساني أينما كان وحيثما وجد. تحية حب واعتزاز لكل ممثلي العلاقات الراقية الذين يعبرون عن قيمة الإنسان وصيانة كرامته والذين يترفعون عمن قيل فيهم:
رأيت الناس قد ذهبوا إلى من عنده ذهب
ومن لا عنده ذهب فعنه الناس قد ذهبوا
رأيت الناس قد مالوا إلى من عنده مال
ومن لا عنده مال فعنه الناس قد مالوا
رأيت الناس منفضة إلى من عنده فضة
ومن لا عنده فضة فعنه الناس منفضة
بقلم: د. رافدة الحريري
اخبار الخليج