ليس سد النهضة الإثيوبي وحده مصدر التهديد لحصة مصر من مياه النيل، فالاستثمارات الزراعية الخليجية في السودان ربما تفاقم الأزمة في حال تنفيذ الخطة المعلنة لري هذه الزراعات الجديدة عبر قناة تخرج من النيل، بحسب ما يرى مراقبون وخبراء مياه في مصر.
وقد وقعت السعودية أواخر العام 2015 أربع اتفاقيات مع الحكومة السودانية بقيمة 2.7 مليار دولار لتوفير الموارد المائية اللازمة لاستزراع نحو مليون فدان جديد على ضفاف نهري عطبرة وستيت في شرق السودان، من جملة نحو مئتي مليون فدان صالحة للزراعة في البلاد المزروع منها فعليا أقل من 15%.
وتشمل الاستثمارات السعودية تمويل إنشاء ثلاثة سدود على النيل في شمال السودان تنفذ خلال خمس سنوات، وفق تصريحات المسؤولين السودانيين عند توقيع الاتفاقية.
وخلال انعقاد أعمال الملتقى السوداني الإماراتي في أبو ظبي منتصف العام 2015، نوقشت تفاصيل ضخ استثمارات إماراتية بقيمة 16 مليار دولار، لتبلغ جملة الاستثمارات الزراعية الإماراتية في السودان نحو 22 مليارا.
في المقابل شهدت العلاقات المصرية السودانية توترا متصاعدا -مع تراشق إعلامي- بسبب عدد من الملفات العالقة التي ربما تزداد تدهورا بسبب الاستثمارات الزراعية الخليجية. ورغم زيارة وزير الخارجية المصري للخرطوم مؤخرا، فقد عاد التأزم في المواقف وتم منع صحفيين سودانيين من دخول مصر مؤخرا.
المياه الجوفية بديل
ويؤكد وزير الموارد المائية والري المصري السابق حسام مغازي أن “مصر لا تعارض التنمية الزراعية في السودان، بل تدعمها بمشاريع مصرية زراعية”. وأضاف في تصريحات صحفية أن “التنمية الزراعية السودانية يجب أن تعتمد على مياه جوفية أو مطرية، بعيدا عن النيل”.
ويتفق مع التوجه السابق خبير المياه المصري أحمد الشناوي، إذ يؤكد “وجود بدائل لعدم الاعتماد على مياه النيل، فالسودان لديه مخزون ضخم من المياه الجوفية التي يمكن أن تكفي لزراعة ملايين الأفدنة، والزراعات الموجودة في الولايات الشمالية تعتمد عليها بالفعل، وهي تأتي من جبال روانزوري والهضبة الإثيوبية وغيرهما”.
وتابع الشناوي في حديثه للجزيرة نت “إذا أصر السودان على استخدام مياه النيل في الزراعات الجديدة، فيحق لمصر التي ستتضرر مخاطبة السودان باعتراضها”.
ولفت إلى أن “هناك مقترحا سودانيا باقتطاع ستة أمتار من ضفاف النهر لصالح الاستزراع، دون التزام بالاتفاقيات الدولية التي تقول إن مياه النهر لمن يستهلكها وفق الاستخدام الفعلي دون إضرار بالدول المتشاطئة”.
وأوضح الشناوي أن “لكل دول النهر أن تقدم المشروعات المرجوة، ولو جرى خلاف بشأنها يتم تقديمها لمحكمين دوليين، أو لمنظمة WMO المختصة بتنظيم الموارد المائية ونواحي المناخ”.
وبحسب رأيه فإن “التوسع في مشاريع الزراعة بالسودان سيؤثر حتما على حصة مصر من المياه، وبالتالي فالقلق المصري مشروع، والقانون الدولي يمكن أن ينصفها لو كانت هناك إرادة لدى الإدارة”.
إدارة الأزمة
ويرى الشناوي أن “مصر تدفع فاتورة ضغوط إقليمية ودولية كبرى”، ويقول “للأسف، إدارة الأزمة ليست على المستوى المطلوب، لدرجة أن رئيس الوزراء الأسبق حازم الببلاوي قال إن سد النهضة خير لمصر”.
في السياق نفسه، يقول السفير المصري السابق إبراهيم يسري -الذي أقام دعوى قضائية ضد الحكومة المصرية للتفريط في مياه النيل- إن “مصر ذاهبة إلى المجهول، والحكومة السودانية تهمها مصلحتها في المقام الأول، وهي متعاونة مع إثيوبيا منذ البداية”.
أما بالنسبة للاستثمارات الخليجية الزراعية في السودان “فستؤثر بالتأكيد على حصة مصر النيلية”، ويقول إنها “أزمة بين الدول العربية، ومطلوب وضعها على جدول أعمال القمة العربية المقبلة، مع عرض الأمر على الاتحاد الأفريقي لحل النزاع”.
لكن يسري يؤكد في الوقت نفسه أنه “ليس من حق مصر إجبار السودان على وقف التنمية، لأن الاتفاقيات الدولية تنظم النزاعات بهذا الشأن”.
عبد الله حامد-القاهرة
المصدر : الجزيرة