تحقيق..زواج الصفقات.. رجال عالة على النساء

دفعت الظروف الاقتصادية بعضاً من أخوال فاطمة واخوان البنات للتنازل عن قوامتهم على المرأة، عندما تركوا أمر إعالة البيت وتوفير مستلزماته بعد اختيارهم للمرأة العاملة، لتكون شريكة حياته لمساعدته في دفع إيجار المنزل والانفاق على الأبناء الى آخر الواجبات، ليصبح الزواج صفقة تجارية مقابل كل موظفة أو وارثة زوج يضع كرامته على رف، ربما تكون سبباً من أسباب ارتفاع نسبة الطلاق في المحاكم، ورجال خلف السجون لتعثرهم في الانفاق… الصحيفة غاصت في الموضوع وخرجت بالحصيلة التالية:

طلاق خلال شهر
(ع.م) تزوجت منذ شهر واحد ووجدت نفسها في عداد المطلقات، لأن من ارتبطت به اتضح أنه يبحث عن المال الذي كانت تمتلكه، وما أن طلب منها تسجيل أحد العقارات التي ورثتها له، ورفضت تفأجات بورقة الطلاق أمامها، وأقر لها بأنه تزوجها من أجل المال، وأن بقاءها على ذمته مرهون بتسجيل العقار باسمه.
أما نهى خالد الموظفة بإحدى الشركات الكبيرة فتقول إنها لا تمانع في الارتباط بزوج تشاركه الحياة وهمومها، وهذا من منطلق المصالح المشتركة بيني وبين من ارغب في الزواج منه، ولا أرى عيباً وخطأ في ذلك.
ويرى الحاج علي يوسف إن الوضع الاقتصادي غير كثيراً في طبيعة المجتمعات السودانية، وأصبح الرجل مجرداً من النخوة والشهامة، يختار شريكة حياته وفق النظرة التجارية، وماتملكه من ثروة أو وظيفة، ففي السابق كان الزواج مبنياً على أسس دينية بحتة ويتم اختيار الزوجة وفقاً لأخلاقها ودينها.

فكة بورة:
المواطن يحيى فاروق أب لأربعة من الأبناء يقول: تزوجت من فتاة تكبرني بخمس سنوات ذات مال وجمال وموظفة في منظمة كبرى، وأنا عاطل دون عمل، وهي تقوم بكل مستلزمات الأسرة من علاج وإيجار المنزل وغيره، وتكن لي كل الاحترام والتقدير علاوة على كل هذا تخدمنى في البيت من طبخ الطعام، واكتفي بدور المرسال للسوق وبسؤالي: أين دورك كرجل ينفق على بيته؟ رد مش (كفاية فكيت ليها البورة)!
ويرى الشاب محمد خالد أن الارتباط بالمرأة العاملة يرفع عنه كثيراً من الأعباء المعيشية في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة.. مشيراً الى نوع الوظائف التي يرغب الرجل دائما ًفي الارتباط بصاحباتها كموظفات البنوك، والطبيبات، والصحفيات خاصة الاقتصاديات.. أما المعلمة والعاملة البسيطة غير مرغوب في الزواج منها لأن راتبها ضعيف وصوتها عالٍ عكس راتبها.

غياب النخوة والشهامة:
ويشير المحامي والخبير القانوني عبد الفتاح سوركتي الى انتشار ظاهرة الزواج من أجل المادة بين المجتمعات.. موضحاً أن المحاكم فة حالة حركة دؤوبة لنساء يطالبن بالطلاق هروباً من الزوج، الذي أصبح يعتمد على المرأة العاملة في تكاليف المعيشة، بجانب امتناعه عن الانفاق، وذلك للضائقة الاقتصادية وتفشي البطالة والهجرة، وأصبحت نظرة الرجل للمرأة مادية من أجل الانفاق على الزوجة الأولى والأطفال، الشيء الذي أسهم في زيادة حالات الطلاق في الفترة الأخيرة، وتناسى الناس قول الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام (اظفر بذات الدين تربت يداك) مما أفقد الزواج قيمته الدينية من طمأنينة وسكينة، وقال إن دعوة علماء السودان بتعدد الزوجات مبني على أحلام في الخيال، لأن الرجل السوداني في الوضع الحالي ينفق مايعادل (20%)على أولاده وماتبقى يذهب لإيجار المنزل، وإذا تزوج ثانية تذهب (20%) للزوج الثانية وتضيع الأسرة الأولى.. مشيراً الى أن معظم الرجال الموجودين في سجن الهدى المحكوم عليهم تحت المادة يبقي لحين السداد كمعسري النفقة الشهرية.. وقال إن غياب النخوة والشهامة وانحراف أخلاقيات الناس مع تفشي البطالة أدى لتحول في شروط اختيار الزوجة، الشيء الذي أدى لتخوف كثير من الفتيات للإقبال على الزواج والهروب بسبب التجارب التي يرونها أمامهم.. داعياً الدولة لتوفير فرص العمل وتسهيل أمور الزواج تفادياً لازدياد حالات الطلاق وتحجيماً للتفكك الأسري.

تفسير خاطيء:
ويقول الداعية أحمد الخليفة محمد: إن بعض الناس يفسرون حديث الرسول صلى الله عليه وسلم القائل (تنكح المرأة لمالها وجمالها ونسبها) خطأ لأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) يتحدث فيه عن عادات، لكن اختياره كان للدين في قوله (أظفر بذات الدين تربت يداك).. مشيراً الى أن الجمال يبغي المرأة أي يجعلها تقع في مشاكل أخلاقية كثيرة، والمال يطغيها اي تصبح متكبرة، ويكون رأيها في يدها والحديث يقول (الرجال قوامون على النساء بما انفقوا) ووصف الزواج من أجل المال بالتجاري الذي لا تضمن استمراريته، وهو شبيه بزواج المسيار الذي أصبح سائداً في مصر والسعودية بأن يتزوج الرجل من المرأة مقابل تنازلها عن المهر والنفقة.

الاستيلاء على المال:
وأشار الخبير الاقتصادي عبد العظيم المهل الى أن بعض الشباب ينصبون على المرأة صاحبة المال والمكانة الاجتماعية بالزواج، وذلك بغرض الاستيلاء على مالها بهدف الاحتيال وليس الزواج، وقال إن تدهور الوضع الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة وسياسة التحرير والخصخصة والنظام الرأسمالي أسهم في تراجع الأسرة الممتدة وظهرت الأسرة البسيطة التي تتكون من افراد العائلة محدودة الدخل، وأضاف أن وجود زوجة عاملة تعين الرجل على الحياة شيء طبيعي في المجتمعات المتقدمة، خاصة في ظل الأنظمة الرأسمالية مبين أن المعادلة تكمن في وجود رجل سوداني لا يستطيع الزواج، وفي الجانب الآخر امرأة لديها مال، فإذا كان هدف الرجل تكوين أسرة فلا ضير في ذلك، مشيراً الى وجود نساء ذوات مال ساهمن مع أزواجهم في إعاشة أسرهم، وطالب المهل المرأة بضرورة التدقيق واختيارها للشخص المسؤول الذي تنوي الارتباط به.

قضية اجتماعية:
ووصف الأمين العام لهيئة علماء السودان ابراهيم الكاروري الزواج التجاري بغير المؤسس والسليم، نافياً صدور بيان من الهيئة يدعو فيه الرجال لتعدد الزوجات.. مبيناً أن قضية الزواج قضية اجتماعية تحكمها الأطراف المعنية وهي الرجل والمرأة، ولا تحكمها الفتاوي وتحل نفسها بنفسها، وطالب الكاروري ولي أمر المرأة بضرورة النظر بعين الوعي والتحري من الزوج المتقدم للفتاة تفادياً للأطماع والجشع.
عالة على النساء:

ويقر مختص الصحة النفسية والطب العصبي بروفيسور علي بلدو بأن رجال السودان أصبحوا عالة على نسائهم في الآونة الأخيرة، سبب التغير الذي اعترض شخصية الرجل السوداني، وأثرت فيه كثير من رياح المؤثرات الداخلية والخارجية، والتي جعلت الصورة النمطية للرجل السوداني واخو البنات، وخال فاطمة، وغيرها من الأوصاف تقل كثيراً وتبدأ رحلة الغرق في المعطيات الجديدة.. مبيناً أن شعور الرجل بإحتياج السيدة له وكذلك زيادة نسبة العنوسة وسط الشابات والسيدات ممن يتمتعن بأوضاع اقتصادية واجتماعية جيدة، بالإضافة لانتشار العطالة والبطالة وسط الشباب وضيق ذات اليد والظروف الاقتصادية الطاحنة، التي تجعل خيار الشاب الأول هو المرأة العاملة، التي تمتلك منزلاً ولديها وظيفة وبهذا تكون زوجة الأحلام المثالية لما تملكه من تأمين صحي، وبدل سفريات وغيرها، موضحاً أن الشعور بالارتياح النفسي والثقة وأيضاً حالة المن والأذى الذي يمارسه الرجل على المرأة على اعتبار مثل (مش كفاية لقيتي ليك عريس) ويكون هذا بمثابة رد لكل ماتلقاه الزوجة التي يستنزفها حتى النهاية، ويكون عالة عليها، ويرفض العمل في كثير من الأحيان على اعتبار(أن المدام شغالة ).

آثار سالبة:
ويلفت بلدو الى وجود آثار سالبة لخصها في انصهار روح التكافل والتعاون داخل الأسرة، وحدوث خلافات بين الزوجين قد تفضي الى التنازع الأسري والمشاحنات بين الأفراد، مما يقضي على استقرار الأسرة وختم بلدو حديثه بأن بعض النساء يقمن بتقديم هذه العروض أو التنازلات في سبيل الحصول على زوج، مما فاقم الأوضاع وجعل الكثير من الرجال في غاية السلبية، وعطل نصف المجتمع.. مردفاً وإن كان بعض النساء سعيدات بثرائهن وبزواجهن من العاطلين عن العمل، إلا أن الكثيرات منهن وإن بدأت السعادة ظاهرة عليهن إلا أن روح الاكتئاب والضجر والتذمر والشعور بعدم الأمان ينتاشهن وتصبح المرأة قنبلة نسائية موقوتة، لابد أن تنفجر يوماً وتلقي بهولاء الرجال من حيث أتوا.

انتهازية واستقلال:
وترى الباحثة الاجتماعية ثريا ابراهيم لا يعد المال شرطاً من شروط الارتباط بالمرأة، إلا من باب التعاون والمشاركة والتوافق الفكري بين الزوجين، من غير انتهازية أو استقلال لامكانات المرأة ومالها حتى يحقق الزواج أغراضه وأهدافه، مبيناً أن ارتباط المرأة بمثل هذا الرجل لا ينقص من كرامتها ولا يؤثر على إنسانيتها كما يصنفها المجتمع.. لافتةً الى أن القضية شخصية ناتجة عن ظروف اقتصادية، داعيةً الفتيات الى تفادي الوقوع في حبال الرجل الذي يريدها لأجل مالها، لأن ذلك يؤدي الى غياب القيمة الاجتماعية والتفكك الأسرى ويضيع عزة نفسها وكرامتها.

حبيس الأدراج:
وتشير (آخر لحظة) الى أنها تقدمت بخطاب بتاريخ الرابع من ابريل الجاري الى السلطة القضائية تطلب فيه الحصول على احصائية عن نسبة الطلاق وأسبابه في السودان خلال العام (2015-2016)، إلا أن الخطاب ظل حبيس الأدراج ولم تجد الصحيفة الرد حتى تاريخه، وبعد سؤال الصحيفة عن تأخر الرد مع الإشارة الى أن الاحصائية قد نشرت مسبقاً في الصحف، اكتفى الموظف بالمكتب التنفيذي لرئيس القضاء بأنهم لا علم لهم بالاحصائية المنشورة.

تحقيق: زكية الترابي
صحيفة آخر لحظة

Exit mobile version