مما لا ريب فيه، أن العلائق السودانية المصرية، شهدت توتراً ملحوظاً، وتصعيداً ملفوظاً، طوال الأسابيع الماضية. وكانت الوسائط الصحافية والإعلامية التقليدية والحديثة المصرية، تنفخ في كير هذا التصعيد بصورة لافتة ومزعجة،
أثارت مغاضبة بعض وسائط الصحافية والإعلام التقليدية والحديثة السودانية، فلم تجد مناصاً، إلا أن تتعامل بردود فعلٍ لمواجهة تلكم الاستفزازات والإساءات الصحافية والإعلامية التي فيها قدرٌ من السُخرية من السودان والسودانيين، مما انعكس سلبياً في مجمل العلائق السودانية المصرية، وبلغ ذروته في ضعضعة الثقة المتبادلة بين البلدين في المحافل الدولية والإقليمية، وكادت أن تعصف بمُخرجات اجتماعات عقدت بين البعثتين الدبلوماسيتين للبلدين بمنظمة الأمم المتحدة في نيويورك، وذلك بمبادرة من الجانب السوداني، وفِي مقر البعثة الدبلوماسية السودانية، لإحداث مضاغطة دبلوماسية، لإقناع الدول العربية والإفريقية للتصويت لصالح مصر في الحصول على العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي، وتحقق ذلك بفضل التعاون والتنيسق بين البلدين. ولم يكن طلب السودان أخيراً من مصر، تفسيراً لدعوة المندوب المصري في مجلس الأمن إلى ضرورة الإبقاء على العقوبات المفروضة على السودان بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1591، إلا مؤشراً بيناً لضعضعة تلكم الثقة، ولهذا الجزاء السنماري المصري للجهد السوداني في ذلكم الخصوص.
وإزاء هذه التوترات، والتصعيد الإعلامي المصري غير المبرر، والتصعيد الحكومي الاستفزازي في حلايب، لم يجد الفريق أول عوض ابنعوف وزير الدفاع، سوى بث شكواه واستياءه، خلال جلسة مغلقة في المجلس الوطني (البرلمان)، من تعرُّض القوات السودانية إلى «استفزازات ومضايقات» في منطقة حلايب المتنازع عليها مع مصر، موضحاً أن «الجيش المصري يمارس المضايقات والاستفزازت للقوات السودانية بمنطقة حلايب، ونحن نمارس ضبط النفس في انتظار حل المشكلة سياسياً بين الرئيسين عمر البشير وعبد الفتاح السيسي».
وفِي رأيي الخاص، أن ما أثارته الوسائط الصحافية والإعلامية التقليدية والحديثة المصرية من استفزازات بليغة، وإساءات منكورة، اتخذت شكل الحملات الإعلامية المنظمة، وصلت إلى حد الإساءة والتجريح للسودان والسودانيين. فانقسم السودانيون حيالها إلى فسطاطين، أحدهما يستنكر ما يحدث، مستمسكاً بضبط النفس، ومستذكراً إستراتيجية العلائق السودانية المصرية، ومردداً مع الأخ الشاعر السوداني الراحل تاج السر الحسن:
مصر يا أخت بلادي يا شقيقةْ
يا رياضاً عذبة النبع وريقة .. يا حقيقة ..
مصر يا أم جمال .. أم صابرْ
ملء روحي أنت يا أخت بلادي
وداعياً الطرف الآخر أن يتذكر هذه الإخوة، وقول أمير الشعراء أحمد بيك شوقي، الذي يزعجه مثل هذا الخلاف:
إِلام الخُلف بينكما إِلام
وهذه الضجة الكبرى علاما
وفيم يكيد بعضكم لِبَعْضٍ
وتبدون العداوة والخصاما
وأين الفوز لا مصر استقرت
على حالٍ ولا السودان داما
بينما الفسطاط الآخر، يرى أن مصر لا يتأتى منها إلا الأذى، فهي ناكرة لجميل إخاء السودان، منذ اتفاقية مياه النيل في عام 1959، وإغراق مدينة بأكملها، وتهجير أهلها غصباً إلى وادٍ كان غير ذي زرعٍ، من أجل أن تُشيد مصر السد العالي في ستينيات القرن الماضي، وعقب هزيمتها في 5 يونيو 1967م، نظم السودان مؤتمر القمة العربي الذي عُرف بقمة اللاءات الثلاث في 29 أغسطس 1967، حيث تمكن قادة السودان من تحقيق مصالحة تاريخية بين الملك فيصل بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية والرئيس المصري جمال عبد الناصر. وكان من أبرز نتائج قمة الخرطوم، تقديم كل من السعودية والكويت وليبيا دعماً مالياً سنوياً للدول المتضررة من العدوان الإسرائيلي، إضافة إلى مشاركة الجندي السوداني لأخيه المصري في حروب مصر مع إسرائيل، زِد على ذلك تحمل السودان لتبعات السياسات المصرية، فعندما قاطعت الدول العربية مصر لصلحها المنفرد مع إسرائيل، لم تجد نصيراً إلا السودان، والأمثلة لمواقف السودان تجاه مصر كثيرة. لذلك يذهب هؤلاء إلى أن مصر في تعاملها مع السودان، تتناسى قول الله تعالى:»هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ». فبعض هؤلاء يشيرون إلى أنه عندما يحتدم الخُلف بين مصر والسودان، وتحدث بعض التوترات والتصعيدات السالبة في تلكم العلائق، من الضروري الاستئناس، بقول الشاعر السوداني الراحل حسن عوض أبو العلا:
فيك يا مصر أسباب أذايا
وفي السودان همي وعزايا
صابر ولم أعلم جزايا
والتأويه أصبح غذايا
أخلص إلى أنه، من الضروري معالجة الكثير من القضايا المسكوت عنها في العلائق السودانية المصرية، فلذلك كنت حريصاً في المؤتمر الصحافي لوزيري الخارجية السوداني والمصري يوم الخميس الماضي، أن أسأل الأخ سامح شكري وزير الخارجية المصري سؤالاً مباشراً عن قضية حلايب. فكانت إجابته على النحو التالي على سؤالي: (إن قضية حلايب قد تم تركها لتعالج بواسطة رئيسي البلدين ضمن الأطر المعنية)، غير أنه أكد أن الأيام المقبلة ستشهد تقدماً في هذا الموضوع. والمأمول أن لقاء وزيري خارجية البلدين، يُعالج بأسرع ما تيسر كثير أمورٍ، مسكوتٌ عنها في أغلب الأحايين، تُشكل مهددات في هذه العلاقة. وينبغي لهذا اللقاء الذي وصفه الأخ البروفيسور إبراهيم غندور وزير الخارجية السوداني بأنه اتسم بالشفافية والوضوح والصراحة، أن يسرع الخطى في وضع الحلول الناجعة لتلكم القضايا. لتأكيد أن هذا اللقاء، لم يكن فقط لامتصاص أمرٍ طارئ، بل هو «لوضع العربة في الإطار الصحيح»، حسب قول الأخ غندور، الذي طالب الإعلام في البلدين بالعمل على ترسيخ هذه العلاقة التي لا تنفصل، ونحن من جهتنا نطالب بأن تعالج القضايا المسكوت عنها بأسرع ما يمكن، حتى لا تكون خميرة عكننة في هذه العلاقة بين الحين والآخر.
إمام محمد إمام
الانتباهة