مأمون حميدة: 30% منهم مصابون بالأمراض النفسية
تربوي يقر بوجود ضغوط نفسية واقعة على بعض الطلاب
الخبير التربوي حسن رزق: الأوضاع الاقتصادية المتهم الأول
كشفت وزارة الصحة بولاية الخرطوم أن 30% من الطلاب بالعاصمة يعانون من أعراض الأمراض النفسية، ونوهت إلى أن 50% من المرضى يذهبون للمشعوذين والشيوخ، فيما يتعالج 10% فقط عند الأطباء والمستشفيات النفسية، ولفتت إلى أن الأمراض النفسية بولاية الخرطوم تساوي 40% من إجمالي الأمراض.
هذه الأرقام التي كشفت عنها الوزارة أثارت دهشة المختصين التي اعتبروها جرس إنذار يحذر من انعكاسات الأوضاع الاقتصادية والحياتية على نفسيات أهم الشرائح في المجتمع وهم الطلاب.
خطة صحية
وما أورده حميدة ضمن تصريحه الوزاري أن الخطة الصحية لم تنفذ مطالب الأطباء النفسيين بفتح مجالات للمشايخ والطرق الصوفية وإشراكهم في معالجة المريض، وشدد على ضرورة إيجاد طرق للوصول للمعالجين الشعبيين، ودعا وزير الصحة حميدة لضرورة مجانية أدوية العلاج النفسي أو توفرها بصورة مدعومة عبر بطاقات التأمين الصحي، مقراً بارتفاع أسعارها، وصنف الأمراض النفسية ضمن الأمراض المنسية عازياً ذلك لصعوبة التشخيص، معلناً فتح عيادات نفسية في كثير من المراكز الصحية، مطالباً الأطباء بالوصول إلى المرضى في منازلهم والنزول عند حاجاتهم.
معاناة مزدوجة
تبرز هنا الأسئلة الحائرة حول إصابة هذه النسبة العالية من الطلاب بالأمراض النفسية، سألنا الخبير التربوي ورئيس لجنة المعلمين يس حسن عن أسباب تفشي الأمراض النفسية وسط الطلاب ورأيه حول تصريح الوزير، فأشار في حديثه لـ(الصيحة) إلى أن الرقم المذكور ليس به تحديد بأي مرحلة دراسية، ولكنه يقر بوصفه تربوياً بوجود ضغوط نفسية واقعة على بعض الطلاب ولا يستطيع أن يسميها أمراضاً، ويعتبرها من إفرازات الوضع الاقتصادي والصرف الكثيف على التعليم، وضرب مثلاً بغياب أحد الطلاب عن المدرسة يومين ويأتي بعدها وهو يحمل التبريرات بأن والده قال له إنه لا يملك أن يعطيه مصروفاً للمواصلات أو وجبة الفطور فلا تذهب للمدرسة، وأكد أن هذا هو السبب الرئيسي للضغوط التي تقع على الطلاب إضافة للرسوم المفروضة عليهم، وأضاف: للأسف إدارات المدارس لا تراعي الوضع الاقتصادي للطلاب، فتمنحهم مهلة يومين أو ثلاثة تبدأ بعدها باستخدام أسلوب الطرد، فعندما يذهب الطالب إلى أهله ويخبرهم بأنه تم طرده على خلفية عدم تسديده للرسوم، فإن هذا ينعكس عليه نفسياً خاصة إذا كان فعلاً يرغب في التعليم، ونوه يس إلى أن الحلول تكمن في عمل دراسة وافية لمعرفة الأسباب الرئيسة، ومن ثم إيجاد علاج لها، ويرى أن العلاج من ناحيتين، أولهما أن الوضع الاقتصادي بشكل عام إذا لم ينصلح حاله، فسيزداد الأمر سوءاً، وأبان يس في حديثه لـ(الصيحة) أن المشكلة ليست قاصرة على الطلاب فقط، بل تمتد إلى المعلمين أنفسهم والذين من بينهم من أُصيب بالمشاكل النفسية والأسرية نتيجة لهذا الضغط الاقتصادي، وأوضح أنه كتربوي أن هناك حالات تمر عليهم لحل مشكلة معلم أو معلمة بسبب تفشي الطلاق وكله يعود للضغوط الاقتصادية.
وأشار إلى أن المنحى الثاني من المشكلة هو ضرورة إلزام إدارة بعض المدارس ومجلس الآباء إذا كان بها مجالس للآباء، أن تتجه للاستثمارات لتوفير وجبة مجانية للطلاب الفقراء وأبناء الأسر الضعيفة للإسهام في حل هذه المشكلة.
فراغات
بالمقابل فإن الاختصاصية النفسية حنان الجاك تلقي سؤالا قبل أن تسترسل في حديثها لـ(الصيحة)، وتضيف: على أي شيء بنى الوزير مأمون حميدة تصريحه والذي وصفته بالغريب، وأكدت ان الطلاب لا يعانون من أي أمراض نفسية، ولكن يعانون من فراغات غير موظفة وهم في مرحلة عمرية جامحة افتقدوا فيها الدليل والموجهات وأصبح الدجل والشعوذة وظيفة وملجأ للكثيرين، وأضافت: وبالتالي يواجه الشباب هذه المتغيرات الخطيرة بذواكر استكشافية وبدوافع من خلالها يحاولون أن يحلوا كثيراً من المشكلات إن كانت عاطفية أو وظيفية، ونوهت إلى أن تعطيل التفكير والطاقات الإيجابية هي المحك الحقيقي للأزمة وليس المرض النفسي، وذكرت أن غياب القدوة الواعية لقيادة المجتمع وتوجيه الشباب، وانشغال الأسر بالواقع الاقتصادي المرير، هي أسباب أساسية في إحداث فجوة تربوية كبيرة افتقد فيها هؤلاء الطلاب الإشباع النفسي والفيزيائي لاحتياجاتهم، لذا يلجأون إلى الدجالين والمشعوذين الذين يرسمون عوالم ساحرة من خلال قراءة الطالب الذي يقف أمامهم أو يجلس إليهم، وهي ترى أن الدجال أو المشعوذ لا يأتي بجديد، ولكن يفاجئهم بأشياء يعيشها ويعرفها تماماً، مما يدعوهم لرؤية الصورة السالبة تلك أمامهم، وأوضحت أنهم في مرحلة عمرية ، بما فيها من خصائص مرحلة عمرية واحتياجات، فبالتالي يحدث التدهور النفسي الخطير .
ليست نسبة عالية
من ناحيته، فإن نائب رئيس حزب الإصلاح الآن والخبير التربوي حسن عثمان رزق يرى أن ما يحدث من متغيرات كثيرة كافية لإصابة ملايين الطلاب بالأمراض النفسية في ظل وجود عدد كبير من الفقراء الطلاب الذين يعانون سواء كانوا من التعليم العام، أو العالي، وأكد أنه من الطبيعي أن توجد مشاكل نفسية، وأضاف أن المناخ التربوي كافٍ لأن يفرز أمراضاً نفسية بالنسبة للطلاب والطالبات، وأكد أن النسبة التي أوردها الوزير حميدة في تصريحه ليست عالية لأن المشاكل كما وصف رزق أكبر من ذلك بكثير، فالعديد من الطلاب لا يجدون ملابس ولا يأكلون ولا يسددون الرسوم المقررة عليهم، وقلة قليلة هي التي تستطيع أن تدفع عشرات الملايين لتعليم أبنائها ومن ثم تهيئة الجو المناسب لهم للدراسة، وأوضح أن الأسر الفقيرة تعاني ما تعاني من أجل تعليم أبنائها، فالطالب يجد نفسه أمام موقف حرج وسط أقرانه من الطلاب المنعمين مما يفاقم المشاكل النفسية لديهم كطلاب.
تصريح منقوص
وتعود حنان الجاك لتؤكد أن حكم دكتور مأمون حميدة خاطئ لأن السودان يفتقر لمراكز البحث النفسي والمعالجات النفسية من خلال مراكز استشارية، لا تتوفر كثيراً، وإن توفرت فهي غالية الثمن، بالتالي أيضاً تفشي المخدرات بين الطلاب في الجامعات، وأبانت أن السودان الآن أصبح مركزاً تجارياً بعد أن كان معبراً، فإدمان الشباب للحبوب المهلوسة، وتغيير الثقافة المجتمعية من خلال فتح الباب للاجئين بكل ثقافاتهم الضحلة، كان بمثابة الدواعي المؤثرة تماماً على هذه الشرائح الشبابية.
وتشير إلى إنه لم يستطع حميدة أن يقدم روشتة علاجية، بقدر ما قدم روشتة يستحق أن يُسأل تجاهها بصورة كبيرة جداً، ما هي الأسباب الأساسية التي بنى عليها؟، وهل بالفعل الشباب مصابون بأمراض نفسية؟، وما هي الأسباب التي خلقت تلك الأمراض النفسية لشرائح نعول عليها في نهضة المجتمع ونهضته مستقبلاً.
وتزيد حنان الجاك في القول إن القضية مجموعة سياسات خاطئة فرطت فيها كثيراً الدولة من خلال الكثير من سياساتها التي لا ترتبط بالشباب ولا تلبي احتياجاتهم أو مراحلهم العمرية، وتضيف إلى ذلك التصنيف المجتمعي فبالتالي يتأثر الشاب ويقف عاجزاً عن إيجاد البوصلة الصحيحة لتحديد ماذا يعاني، وما هي الضغوط التي يعانيها، وما هي الدوافع التي تذهب به إلى دجال، وأكدت أن هذه كلها محاور تحتاج إلى دراسات متأنية حتى يمكن تقديم معالجة.
وتشير إلى أن حميدة لم يقدم المعالجة، بل قدم رسالة مقتضبة سالبة جداً، وقد يكون ظلم فيها للكثير من الشباب، ونوّهت إلى عدم إصدار أي تصريح أو وصف لحالة ما لم تكن مبنية على دراسات، وقال: احتمال أن تكون هذه النسبة التى تذهب إلى الطبيب النفسي، قد تكون بسبب مشاكل ترتبط بالتنشئة الاجتماعية، أو مشاكل أسرية، أو ظروف تختلف عن التي يذهب بها آخرون من الشباب إلى الدجالين، وأشارت إلى أنه لابد من القراءة المسؤولة لما يحدث لهؤلاء الشباب، وفتحت حنان مجموعة من الأسئلة، هل تحدث الوزير مع فئة من الشباب؟ هل عكسوا له معاناتهم؟ العطالة والفقر، واللجوء، والصراعات، والبيئة التي تفتقر للأمن النفسي والاجتماعي في المجتمع السوداني، وأكدت أن الشباب يجلسون مع ست الشاي، وفي شارع النيل، مؤكدة أنه لا يوجد أي توظيف ولا رعاية ولا اهتمام بهذه الطاقات الجميلة، وتنوه إلى أن أي تيار سالب في المجتمع يتحول إلى واجهة وإدمان وقيمة ومبدأ لهؤلاء الشباب لأنهم مترهلون نفسياً لوجود الكثير من المشاكل المختلفة.
روح المشاركة
ويرى خبراء نفسيون مختصون أنه لابد من وجود روح مشاركة تتوفر من خلالها النفسية الآمنة لهؤلاء الشباب، كما يحتاج الأمر إلى رعاية تامة للطاقات المبدعة لهذه الشريحة المهمة، بتوفير مشاريع لهم وتشجيع الابتكارات التي تساعد هؤلاء الشباب لتغيير مناحي حياتهم، لأنهم إن لم يجدوا هذه العناية، فستكون الكثير جداً من السلبيات التي ستؤثر عليهم، مثل الإدمان واللجوء لعالم الدجل الغريب، كما يفعل كبار لاعبي الكرة بذهابهم إلى الدجالين لمعرفة نتائج المباريات، وقالت إن المطلوب من الشباب في ظل ما يعانون من عيش في بيئة تفتقد للمقومات الإيجابية، كما وصف بعضهم أن ما يظهر منهم هو نوع مما في دواخلهم من اضطراب.
الخرطوم: تيسير الريح
صحيفة الصيحة