كنَّا نهار أمس في مدينة الفولة عاصمة ولاية غرب كردفان، المدينة كما هي تعاند أزمنتها وتتقدم بخطوات متعجلة، ورغم التطور العمراني وملامح التحديث فإن (رجل الفولة)
لم تخرج بعد من طبيعتها المتريفة وقدرتها على البقاء في مدارات البوادي بأخلاقها الرفيعة وتطلعات أهلها السماء، تبدلت نوعاً ما في شوارعها ومبانيها وخدماتها، خفت فيها غلواء السياسة التي كانت تفرق بين أهلها، وما من مأزق أكبر من تعيين والٍ أو وزير ليعيش في الفولة كل أهلها ينشطون في السياسة كأنهم رضعوها مع حليب أمهاتهم منذ الصغر، فالحرارة السياسية دائماً مرتفعة في الفولة لخصائص أهلها وتركيبة ولاية غرب كردفان المعروفة بتلاطمات الموج الحزبي والسياسي لارتفاع الوعي بين سكانها وتعدد التيارات الفكرية والسياسية من قديم عهدها .
> وأتاحت لنا الفولة من خلال حضورنا المؤتمر العام التنشيطي للمؤتمر الوطني بالولاية الذي حضره وفد اتحادي كبير ورفيع على رأسه إبراهيم محمود حامد مساعد رئيس الجمهورية نائب رئيس الحزب الحاكم، أتاحت لنا ملامسة وتحسس التطور والتحول في الخطاب السياسي للمؤتمر الوطني، وهو بلا شك انتقال وانعطاف مهم في مسيرة الحزب الممسك بخطام ولجام السلطة، فمن خلال المؤتمرات التنشيطية التي انتظمت الولايات وقطاعات المؤتمر الوطني، يبدو أن هناك مراجعات هائلة ورؤية تحديثية على مستوى الخطاب العام، ومنهج الحزب في التعامل مع الأشياء طرأ عليه تغيير في الاتجاه الأفضل .
> فمن خلال المؤتمر التنشيطي لغرب كردفان وهو محضور ومرتب ترتيباً يستحق الإشادة وفيه تفاعل كبير من قواعد الحزب وممثلين لأكثر من ألف ومئتي مؤتمر أساس، هم عضوية المؤتمر، الذي تعالت هتافاته وتحددت قضاياه بدقة وانتظمه انضباط تنظيمي دقيق، كانت ملامح الأفكار الجديدة ومعالم الخطاب السياسي واضحة وقوية بلا مراء وجدال طويل، ولخصها المهندس إبراهيم محمود في كلمته وهو يشرح توجهات حزبه وموجهات برامجه للمرحلة المقبلة، وما ينبغي للحزب أن يفعله ليحافظ على وجوده وتأثيره في الأوضاع في البلاد ويكون متمسكاً بسلطته .
> ويمكن حصر معالم التغيير في ما يلي :
> أولاً: قضية القيم الأخلاقية في ممارسة العمل السياسي أخذت أجزاءً واسعة من حديث المهندس إبراهيم محمود وهو يعقد المقارنات بين الفلسفة السياسية التي تعتمد وترتكز عليها السياسة في التجربة الغربية، وتجربة الأحزاب في بلداننا التي تنبع فلسفتها وقيمها من القيم الإسلامية في الصدق والنزاهة وخدمة الناس والتحلي بالمسؤولية ومراقبة النفس والتزام الحق ومخافة الخالق واتقاء الظلم والتظالم، ومن يستمع إلى تلك النقطة أمس في حديث إبراهيم سيعتقد أنه ينصت إلى موعظة شفيفة، والسياسة لا تعرف المواعظ كما يظن البعض، وهنا ركز نائب رئيس الحزب على نصح أعضاء الحزب بحسن التعامل مع الآخر وعدم التكبر على الناس فهم خدامهم وليسوا حكامهم، ودعاهم إلى التواضع وقهر النفس واجتناب الوقوع في غلاظ الأخطاء التي تسيء إلى التجربة برمتها وتوصمها بما يشين .
> ثانياً: شحذ همة أعضاء الحزب بضرورة الانتباه إلى أن البرامج السياسية وبرامج الدولة تبدأ وتنتهي بالقضايا الحيوية للمجتمع، خاصة مسائل الخدمات من تعليم وصحة ومياه وكهرباء وأسباب تسهيل صعاب الحياة، فالخدمات هي مخ العمل التنفيذي والسياسي، ولَم ينس السيد نائب رئيس المؤتمر الوطني تذكير الحضور بخطة الدولة والحزب وبرنامج الرئيس في مشروعات (زيرو عطش) وإلزامية التعليم لمرحلة الأساس وتوسيع مظلة الرعاية الصحية الأولية ومشروعات الطاقة والكهرباء وبناء السدود، وغيرها من المشروعات التي تمثل الطفرة الخدمية المؤهلة لبلوغ مرحلة الوفرة والكفاية والرفاهية للشعب السوداني، والسياسة عندما ترتبط بالخدمات وتقديمها للمجتمع تصبح بالفعل في مستوى المفهوم الحقيقي لها في الفكر الإسلامي كما أشار في كلمته الضافية الوافية .
> ثالثاً: ربط إبراهيم محمود بين خطة إصلاح الدولة والحوار الوطني وما يجري في البلاد من تفاعلات سياسية هدفها في نهاية الأمر جعل السودان دولة قوية متماسكة آمنة ترعى مصالح شعبها وتؤدي دورها الإيجابي في محيطها الذي تعيش فيه، فبرامج إصلاح الدولة سيكون مؤداها الأخير هو تقوية مؤسسات الحكم والجهاز التنفيذي وإصلاح الخدمة العامة وتحسين وظائفها، وتتكامل مع الحوار الوطني الذي بدوره عملية جادة وجهد وطني لإصلاح الحياة السياسية في السودان وصناعة التوافق والاتفاق بين السودانيين على نظام حكم غير معطوب والالتزام بالتبادل السلمي للسلطة .
> وما فهم من حديث إبراهيم محمود وفيصل حسن إبراهيم والوالي نفسه والمشرف السياسي على كردفان حسب الله صالح وعدد من القيادات التي تحدثت بالأمس، أن مرحلة جديدة بعد انتهاء المؤتمرات التنشيطية والمؤتمر العام قد أطلت على سوح ومرايا الحزب الحاكم، وستنعكس على السودان كله.
الصادق الرزيقي
صحيفة الجريدة