والله كلام يا مناوي !

أكثر ما يعجبني في مني أركو مناوي أنه واضح لدرجة كبيرة (الفي قلبو في لسانو) بالرغم من أن قلبه يمتلئ بالسخائم والمرارات (الما كويسة)، ولا أريد الآن استخدام عبارة (العنصرية) في وصف ما تمور به نفسه وتضطرم.

أخيراً وبعد تأخير طويل أخرج مناوي مشاعره وأضغانه المكبوتة حمماً بركانية متفجرة ضد عرمان الذي لم نكن نقول عنه إلا ما قال مناوي الآن بعد زمن من الصبر غير الجميل على تصرفاته العجيبة، فهل تراه يعترف بأنا سبقناه في سبر أغوار الشخصية العرمانية المحتشدة بالنقائص والتي ابتلي بها السودان منذ أن أطل الرجل على المشهد السياسي السوداني أيام الطلب في المرحلة الثانوية ثم الجامعية التي لم يكملها بسبب طباعه الشيطانية؟!

اللهم لا شماتة (فالتور إن وقع بيكترن سكاكينو) كما يقول المثل الشعبي، فها هي الشهادات تترى عن (بلاوي) الرجل ممن عاصروه زمناً وخبروا أفكاره وطباعه، فبعد قنابل الحلو الذي قال في عرمان ما لم يقل مالك في الخمر عقب انقلابه عليه وهجوم عبد الواحد محمد نور الذي ثار في وجهه خلال أحد الاجتماعات وأسمعه كلاماً (عنصرياً) قبيحاً، ثم خلافات ناس الوسط النيلي في الحركة أمثال محمد يوسف أحمد المصطفى، تأتي شهادة مناوي الذي كانت المسؤولية الأخلاقية تحتم عليه أن يجهر بقوله هذا (من بدري) فما الذي يجعل مناوي يتحالف مع عرمان رغم صورة الشيطان التي رسمها له الآن وينفر من الذين ظل يقاتلهم بالسلاح رغم ما ألحقه فعله من خسائر بشرية ومادية فادحة لم يجنِ منها الجميع غير الخسران؟!

حدّثني من أثق به أنه خلال جلسة غداء بملاح (ملوخية) جمعته مع باقان في جوبا إن باقان قال له عن عرمان حديثاً يقطر حقداً وكراهية فعجبت أن أكبر أولاد قرنق (باقان وعرمان) يحملان هذه المشاعر تجاه بعضهما بعضًا.

أما سلفاكير فقد أوردنا منذ زمن – أيام الإنتباهة – حديثه عن خصميه اللدودين باقان وعرمان عندما خاطبهما وحذرهما في لقاء جامع في الخرطوم بعد مصرع قرنق بقوله إنه: (يعرف يقود المركب لكن -بعض الفئران، يقصد باقان وعرمان – بحاولوا يقدوا المركب من وراء ).

معلوم أن عرمان بعد خروجه من السودان عقب مصرع بلل والأقرع خلال ركن نقاش في جامعة القاهرة فرع الخرطوم، كان الرجل أحد متحدثيه ممثلاً للجبهة الديمقراطية (الواجهة الطلابية للحزب الشيوعي) والتحاقه بتمرد قرنق في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، قد قطعت أذنه عضاً من قبل أحد الجنوبيين الذين كان يقاتل في معسكرهم ضد أهله في الشمال وأجريت له عملية تجميل لا تزال آثارها ظاهرة.

إذن فإن الرجل مبغوض من جميع أو من معظم المحيطين به تقريباً لكنهم ظلوا صامتين كما صمت مناوي دهرًا.

صفة الدكتاتور التي أطلقها عليه مناوي، معضدًا كلام الحلو عندما ثار عليه ، لا تخفى على كل من تعامل معه، ولعل المخاشنة التي واجه بها بنت الأكرمين د. مريم الصادق المهدي وتطاوله عليها قبل نحو خمسة أشهر بعبارات جارحة رغم تعاملها المهذّب معه يكشف ذلك الغرور والتعالي الذي يحكم تصرفات الرجل، ولذلك لا غرو أن يرفض تنازل الحركة الشعبية عن رئاسة الجبهة الثورية عندما انتهت فترة رئاسة عقار رغم الاتفاق على تداول الرئاسة بين الحركة الشعبية وحركات دارفور.

ما كنا نحتاج إلى واقعة الخلاف حول رئاسة الجبهة الثورية لكي نبرهن على دكتاتورية وعدم ديمقراطية الحركة وعرمانها وعقارها وحلوها، فكلهم طواغيت ظلوا منذ أن انخرطوا في الحركة الشعبية (يناضلون) لفرض رؤيتهم وبرنامجهم ومشروعهم على السودان بقوة السلاح، وهل من مثال حي على التناقض أكبر من المسارين الديمقراطي والمسلح في التنافس على السلطة، وهل يعقل أن يتحول الوحش الكاسر المستخدم للسلاح فجأة إلى حمل وديع، بل هل انصاع قرنق لنداء الديمقراطية الذي أعقب النظام المايوي بالرغم من أن تلك الفترة – حكومات المهدي- تجاوزت الممارسة الديمقراطية إلى ما يمكن تسميته بالإباحية السياسية؟!

أعجبني والله تعبير مناوي :(عرمان بتعاليهو وحبه للهيمنة عايزنا نبقى ماسكين البقرة من قرونا وهو يحلب .. ده اللي أهلنا النوبة فطنوا ليهو لكن بعد فوات الأوان).

عجيب أن يردد مناوي ما ظللنا نقوله عن الحركة الشعبية التي صعدت إلى قمة برج أحلامها وحققت أهدافها وطموحاتها من خلال اتفاق نيفاشا على جماجم ودماء أبناء النوبة منذ قرنق وحتى اليوم، فها هو الحلو يهرف بمشروع السودان الجديد الذي ظل قرنق وعرمان وباقان يلوكونه بدلاً من الحديث عن مطالب شعب جبال النوبة الذين لم يكتفوا بالإمساك بقرون البقرة إنما ظلوا ينزفون الدماء الغالية بلا مقابل.

لكن هل اكتفى مناوي بالحديث عن عرمان الذي سكت طويلاً عن طغيانه أم إنه تجاوز الأمر إلى كل قوى نداء السودان؟.

ما قاله مناوي خطير، فمن هم بربكم الذين يعنيهم الرجل بقوله :(تحالف نداء السودان لحم راس وفيهو ناس كتار زي عرمان)؟

أجيب في مقال آخر إن شاء الله أحاول من خلاله أن أخاطب مكونات (لحم الرأس) المخدوعين الذين وصف الله تعالى أمثالهم بقوله: (تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى).. فانتظروني.

الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة

Exit mobile version