كان عمرى يومها لا يتجاوز السادسة بأي حال من الأحوال ، كنا زغبا صغارا .. لا نعرف من الدنيا والحياة غير اللهو واللعب ، كانت أمى معجبة بشخصية المساعد الطبى والذى يقال له : الحكيم .. لا أدرى لماذا كانت تخوفنا به وبالحقنة عندما نخطىء .. هسى بقوم اوديك الحكيم .. لكنها كانت لاحقا تريدنى أن اصير حكيما مثله عندما أكبر .. كل ذلك التناقض الغريب جعلنى اكره كل المواد العلمية ووجدت نفسى اميل إلى التاريخ والأدب والدين .. ومن الذكريات التى لا تنسى يوم جات عربية القروحة شاقة الحلة الآن يقال لها التطعيم .. كان كبارنا إذا لم نسمع كلامهم وننفذ اوامرهم خوفونا بالقراحى ( القراحى جاك .. يا القراحى تعال … وهذه كافية لردعنا وانصياعنا .. أذكر ذلك اليوم كنا قاعدين نلعب كعادة الأطفال وفجأة قام الأطفال جاريين وهم يصيحون القروحة .. القروحة جات … انا غايتو اندسيت فى الدولاب لكن شقيقى الأكبر وصاحبيه الفتوات جروا ضحوة كاملة واندسوا تحت أشجار الكتر والهجليج وغير بعيد منهم يصوت ذلك الثعبان القاتل والذى يقال له الوشواشة وكلما صوت .. صاح أحدهم : ملح اندروس .. وهم يضحكون ولا يدرون أن المكان الذى اووا إليه تفوح منه رائحة الموت ..
افتقدتنى أمى وهي تبحث وتفتش وتنادينى باسمى وانا لا أجيب .. حتى حانت منى عطسة دلت على مكانى .. فاخرجونى وانا اتصبب عرقا .. كل ذلك لأنهم كانوا يخوفوننا بالقروحة .. وعندما تأتى حملة التطعيم بالبيوت معها العريف هم كانوا يخبوننا فى الأماكن المظلمة والبعيدة ظنا منهم أن القروحة بتعمل الحمى وبتكتل .. فلذلك ليس غريبا علينا مثل هذا التصرف ..
غايتوا زمان أهلنا واماتنا وحبوباتنا عرفوا ليهم حاجات يخوفونا بيها مثل الحكيم والقروحة والبعاتى والسحار وود أم بعلوا .. لكن ما عارف عفاريت الزمن ده يخوفوهم بى شنو ؟؟؟
احمد بطران