قبل الدعوة إلى التعدد ..!

“فلا آذن لهم، ثم لا آذن لهم، ثم لا آذن لهم، إلا أن يحب ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنما ابنتي بضعة مني، يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما آذاها” .. أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة، مختصراً ومطولاً ..!
قامت قيامة نساء السودان – الزوجات منهن على وجه الخصوص – بعد دعوة هيئة علماء السودان إلى تعدد الزوجات .. والمشكلة في تقديري ليست في دعوة هيئة علماء السودان إلى تكثيف الصورة الاجتماعية لعقد شراكة اجتماعية، نبيل المقاصد، سامي الأهداف، يقوم على نية التأبيد بين رجل وامرأة على هدي كتاب الله وسنة رسوله .. بل المشكلة في مدى جاهزية الغالبية العظمى من رجال السودان – إذا استبعدنا تلك القلة القليلة من ميسوري الحال – لتحمل أعباء زواج يقول خالقنا ورازقنا في محكم تنزيله إن القوامة فيه للرجال بما أنفقوا ..!

هل رصدت هيئة علماء السودان قضايا الاحتيال المادي المرتبط بالتدليس العاطفي (الضحية في الغالب امرأة تأخر زواجها أو مطلقة تطلب العفة، يعدها رجل ما بالزواج، ثم يستولي على بعض أو كل مالها، قبل أن يفر فراراً المجذوم تاركاً وراءه جريمة احتيال مكتملة الأركان) ..؟!
هل لاحظ – علماؤنا وفقهاؤنا الأجلاء – أن معظم الرجال قد تراجع دورهم في الإنفاق على النساء وإعالتهن، وأن هذا السلوك الذي بدأ يرتقي مراقي الظاهرة، يعيد صياغة التصنيف الاجتماعي للعنوسة والطلاق الذين ما عادا وصمة اجتماعية في ظل المتغير الاجتماعي؟! .. الحقيقة المؤكدة ـ رغم صعوبة الجهر بها ـ هي أن اقتناع أغلب الرجال العازبين اليوم، بمكانة النساء، وبجدوى مصارعة الفقر والحاجة لإعالتهن قد إنهار تماماً .. كنت أتمنى أن ترصد هيئة علماء السودان ظاهرة الاستهتار وعدم الجدية التي باتت تقوم عليها عقود الزواج نفسها، وكيف أن العوانس والمطلقات هن أغالب ضحايا هذه الزيجات ..!

التحليل الإقتصادي هو المدخل الأكثر دقة لقياس أسباب ارتفاع معدلات الطلاق والعنوسة، وعليه، فعذراً لصراحة التعبير ولكن ازدياد معدلات الطلاق والعنوسة في مجتمعنا ـــ في تقديري ـــ هي المعادل الموضوعي لأزمات الرَّجالة الطاحنة التي حاقت بعروش الجنس السوداني اللطيف .. والتي قوضت بادئ ذي بدء سقف الزوجة «المستتة»، وأقلقت خدور ربات البيوت القابعات بانتظار رجل البيت الذي يدخل حاملاً كيس خضاره، ثم شاهراً صوت قوامته ..!
ليس هذا بكاءاً على لبن الخدور المسكوب وليس تباكياً من مآلات الندية الفكرية والمساواة المهنية التي ظللنا ننادي بها كثيراً وطويلاً والتي أوقفنا على تحققها ـــ ولم نزل ـــ صلاح حال هذا المجتمع .. ولكنها تأملات جندرية جادة في صور ووجوه أزمات الرجالة التي شاعت وتفشت وضربت بأطنابها في عقر دار الأسرة السودانية الحديثة!

إحلال وإبدال تاريخي خطير حدث في لعبة الكراسي داخل الأسرة السودانية، واضطر المرأة زوجة كانت أو أختاً أو ابنة للعب دور شاق مزدوج .. كل ربة أسرة عاملة في بلادنا اليوم هي مشروع قنبلة عصبية قابلة للانفجار كلما استوى الماء والحجر .. فالعبء الملقى على كاهل المرأة العاملة في هذا المجتمع لا ولم يستصحب ضرورة شطب بعض المهام التقليدية من قائمة الواجبات ..!
فأصبحت كل امرأة عاملة مقبلة على الزواج مشروع قنبلة موقوتة.. ومن يظن بي المبالغة فدونه نذر الخراب الأخلاقي الذي حاق بمؤسسة الزواج في السودان، ودونه صور الاستهبال في سلوك معظم الأزواج «الرجال» ..!

هناك فرق – منى أبو زيد
صحيفة آخر لحظة

Exit mobile version