لا يزال الجدل قائما في مصر بشأن قرار السودان فرض تأشيرة دخول على المصريين الذكور من سن 18 إلى 49 عاما، وتحصيل رسوم من المغادرين المصريين بقيمة 530 جنيها سودانيا، حيث لقي استنكار برلمانيين وإعلاميين، فيما رآه مراقبون مؤشرا لتوتر “مكتوم” بين نظامي البلدين.
ورغم تأكيد وزارة الخارجية السودانية في بيان سابق لها إفادتها للسلطات المصرية المختصة باتخاذ القرار، وإعلان وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور أن القرار اتُخذ بالتشاور بين البلدين، أكدت وسائل إعلام مصرية أن القرار كان مفاجئا.
واعتبر المتحدث باسم الخارجية السودانية قريب الله الخضر في تصريحات صحفية أن هذا الإجراء “معاملة بالمثل”، وأن القرار كان يطبق فعليا على السودانيين عند دخول مصر منذ فترة، في حين لم يكن المصريون بحاجة إلى تأشيرة لدخول السودان منذ 2004 وإلى حين اتخاذ هذا القرار.
وأبدى نواب مصريون استنكارهم للقرار، واتهم عضو اللجنة الأفريقية محمود يحيى الحكومة السودانية بالانصياع لرغبات خارجية دفعتها لاتخاذ القرار، وطالبها بالعدول عنه.
كما وصفت العضو في ذات اللجنة منى منير القرار بأنه غريب، وقالت إنه “لا يراعي العلاقات التاريخية بين البلدين”، مطالبة كذلك بالتراجع عنه.
توتر مكتوم
ورأى أستاذ العلاقات الدولية عصام عبد الشافي أن القرار يعكس توترا مكتوما في العلاقات بين الدولتين، معتبرا الحديث عن “مبدأ المعاملة بالمثل” يأتي فقط لتبرير القرار، وأنه لو كان حقيقيا لطبّق القرار منذ سنوات.
وذهب في حديثه للجزيرة نت إلى أن الدوافع الحقيقية هي “هجوم” الإعلام المصري على السودان وحضارته، وتباين مواقف الدولتين في ملفات، منها سد النهضة ومثلث حلايب وشلاتين، والموقف من الوضع بليبيا، واتهامات النظام المصري للسودان بإيواء محسوبين على جماعة الإخوان المسلمين واستخدامهم ضد مصر.
ورأى عبد الشافي أن دلالات توقيت القرار مهمة، خاصة أنه يأتي بعد نشوء أزمة لبعض الشباب المصريين المقيمين في السودان، والحديث عن عمليات نقل وترحيل مجموعة منهم.
ومتفقا معه، قال الصحفي والباحث السوداني عباس محمد إن الثقة بين نظامي الحكم بالبلدين تتراجع، الأمر الذي يهدد المكاسب المنجزة في السنوات الماضية، وأهمها اتفاقية الحريات الأربع وافتتاح المعابر الحدودية في إطار طموح لتكامل استراتيجي.
وأضاف أن الدوائر السودانية ترى الإجراءات الأخيرة معاملة بالمثل لمماطلة مصر بحجج واهية في التطبيق الكامل لبنود اتفاقية الحريات الأربع الموقعة عام 2005، وأن السودانيين يرون أنهم استنفدوا جميع السبل لعدم الوصول إلى هذه النقطة.
ورأى محمد أن من دوافع الخرطوم لاتخاذ القرار تبني مؤسسات الدولة المصرية مواقف “عدائية” تهدد أمن السودان القومي، كالسماح بالنشاط المعارض على الأراضي المصرية، وكذلك الحملات الإعلامية “الممنهجة” ضد السودان.
شندي: أكبر منفعة للسودان هي الحفاظ على العلاقة مع مصر (الجزيرة)
تنامي الغضب
وأبدى الصحفي السوداني تخوفه من تنامي الغضب الشعبي في السودان، خاصة مع وجود حملات تحريض بوسائل التواصل الاجتماعي قد تنجم عنها تداعيات خطيرة على العلاقات بين الشعبين.
في المقابل، رأى رئيس تحرير صحيفة “المشهد” المصرية مجدي شندي أن القرار السوداني يأتي حلقة في سلسلة أعراض توتر بين البلدين، بدأت بتعاطف النظام السوداني مع جماعة الإخوان بعد انقلاب 30 يونيو 2013، وتوفيرها معبرا وملاذا آمنا لعناصرها، على حد تعبيره.
وأضاف للجزيرة نت أن من هذه الأعراض موقف الخرطوم “الغريب” في أزمة سد النهضة بتبنيها مواقف أقرب لأديس أبابا، ما أضعف موقف مصر حيال اﻷزمة، مؤكدا أن القرار من شأنه إلحاق الضرر بثلاثة ملايين سوداني يقيمون بمصر إذا ما لجأت القاهرة لتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل.
واستبعد شندي أن يؤثر التوتر الحاصل بين نظامي البلدين على العلاقات الشعبية، مطالبا الخرطوم بالتوقف عن “سياسة الكيد السياسي والاصطياد في الماء العكر لتحقيق منافع صغيرة”، ومشددا على أن أكبر منفعة للسودان هي الحفاظ على العلاقة مع مصر، على حد تعبيره.
المصدر : الجزيرة نت