يبدو أن هناك بوادراً لحرب تجارية بين السودان ومصر. العديد من المنتجات المصرية خصوصاً الغذائية يتم منعها من الدخول للسودان بقرارات بعضها إداري والآخر فني. وبالمقابل بعض المنتجات السودانية ومن بينها الماشية الحية تجد صعوبات في الوقت الحالي لولوج السوق المصري. الشاحنات مكدسة في المعابر، والمتضررون المباشرون هم التجار وأصحاب الشاحنات. أما الضرر غير المباشر فيعود لطائفة واسعة من المواطنين في القطرين الذين يتعاملون في السلع المتبادلة تجارياً بين السودان ومصر.
هذا على المستوى الفردي، أما على المستوى الاستراتيجي، وعلى مستوى الاقتصاد الكلي، فإن الخسائر والضرر يشمل التأثير السالب على روح التوافق والتواد والتصاهر بين الشعبين، وتاريخهما المشترك، والآمال والطموحات التي يمكنهما تحقيقها عبر التعاون والتكامل. هذا فضلاً عن الأثر السالب على الإيرادات العامة الضريبية والجمركية التي تتأثر بها المالية العامة في كلا القطرين نتيجة لتقليل حجم التبادل التجاري بينهما.
حجم التبادل التجاري بين السودان ومصر بلغ في العام 2014 مبلغ 703 مليون دولار، وارتفع في العام 2015 ليبلغ 873 مليون دولار. بالطبع هذا حجم ضئيل من حيث القيمة المادية، حيث تأتي مصر في المرتبة السادسة من حيث ترتيب شركاء السودان في التجارة الخارجية، غير أن آفاق التكامل بين القطرين يمكن أن ترفع من حجم التبادل التجاري بين القطرين أضعافاً مضاعفة خلال سنوات قليلة.
من المهم أيضاً الإشارة الى أن الميزان التجاري بين القطرين ظل مائلاً على الدوام لصالح مصر، غير أن تغيراً مهماً حدث في العامين الأخيرين، فقد انخفض عجز الميزان التجاري مع مصر من 279 مليون دولار الى 265 مليون دولار. ويعود هذا على الأرجح لزيادة قيمة الثروة الحيوانية المصدرة الى مصر.
ويتوقع أن يستمر الميزان التجاري في التحسن لصالح السودان خلال الأعوام القادمة، لهذا فإنه من مصلحة السودان استمرار التبادل التجاري مع مصر، وترقيته وتحسين آلياته، والانتقال به لمستوى الشراكات الاستراتيجية، خصوصاً بعد رفع الحظر الاقتصادي الأمريكي عن السودان.
بالطبع فإن ما نقول لا علاقة له بالحق السيادي لأي دولة في حماية مواطنيها من المنتجات الضارة بالصحة للإنسان أو الحيوان أو النبات. هذا حق مكفول بموجب كل الاتفاقيات الدولية ومنصوص عليه في وثائق منظمة التجارة العالمية. غير أن استخدام هذا الحق خاضع لقواعد فنية دقيقة جداً تنفذها الهيئات والجهات الفنية المسئولة، مثل الحجر الزراعي أو الحجر البيطري أو هيئة المواصفات. بمعنى آخر فإن منع أي سلعة من الدخول لبلد ما ينبغي أن يكون قراراً فنياً لا قراراً إدارياً أو سياسياً. والله الموفق.
د/ عادل عبد العزيز الفكي
adilalfaki@hotmail.com