زارني في مكتبي يوم الأربعاء الماضي الدكتور إيهاب عبد الرحيم الباقر الطبيب المقيم بالسعودية والذي جاء إلى الخرطوم مهرولاً عقب تعرض والده لخطأ طبي في عملية منظار بإحدى المستشفيات في الخرطوم مما استدعى نقله إلى المستشفى وإدخاله غرفة العناية المكثفة وهو في حالة حرجة .
إيهاب وحسب حديثه فإن والده كان يشكو من تسارع في ضربات القلب وشعور بالفتور والدوخة، وأنه أخبره عن معاناته تلك فنصحه ابنه بإجراء بعض الفحوصات منها الكشف عن فيتامين b12 .
يقول إيهاب إن نتيجة المختبر أكدت النقصان الكبير لذلك الفايتامين لدى والده، وأن علاج الأمر لم يكن يتجاوز بعض الحقن والأدوية والتي كانت كافية لاستقرار الحالة .
ما حدث أن والده أُدخل عمليتي منظار في آن واحد: منظار عن طريق الفم وآخر عبر فتحة الشرج، على الرغم من أن الحالة لم تكن تستدعي إجراء منظارين في آن واحد؛ خاصة أن والده قد جاء إلى المستشفى وهو يقود سيارته بنفسه .
أثناء عملية المنظار حدث ثقب في الأمعاء بالقرب من منطقة الكبد، لم يقم الطبيب بإلحاق والد إيهاب بغرفة العمليات من أجل خياطة الثقب بل أنهى منظاره وطلب من الرجل المغادرة.
ما إن وصل الرجل البيت حتى اشتدت عليه الآلام، وأسرعت زوجته بالاتصال بالطبيب وهي تقول له: (يا ولدي المنظار ده أصلاً بسوي كده؟، أبونا ده تعبان شديييد)، فطلب منها أن تأتي به إلى العيادة ظهر اليوم التالي.. تخيلوا حجم الاستهتار.. (مريض متألم وأنت مشرط مصارينو، وينتظر إلى اليوم الثاني).
في المساء تدهورت صحة الأب بشدة مما اضطر الأسرة إلى الإسراع به إلى ذات المشفى فكان قرار أحد الأطباء الأكفاء بضرورة إدخاله عمليه مستعجلة لإزالة الصديد وتوصيل أنبوب خارجي يخرج عبره البراز، نسبة لحدوث ثقب بالقولون وتورمه والتهابه الحاد .
استغرقت العملية أربع ساعات، ظل بعدها الأب في المستشفى، أنفقت خلالها الأسرة قرابة الـ 100 مليون لصالح خزانة المستشفى.
الآن حاج عبد الرحيم يجلس طريح الفراش وقد وُصِّلَ بجسمه أنبوبان وقسطرة والكثير من المحاليل الوريدية والمضادات الحيوية وهو ينتظر التعافي من الالتهاب الحاد في البطن، ليستطيع إجراء عملية جراحية أخرى يتم بها إدخال مصارينه كما نقول باللغة الشعبية إلى بطنه ورتق الجرح.
بمعنى أن الرجل دخل المشفى وهو يقود سيارته ليعود بعد أقل من 24 ساعة وهو بين الموت والحياة .
ما ينبغي قوله أولاً أننا نعلم أن عمليات المناظير تستحمل نسبة من الخطأ وبها احتمالات حدوث ثقب، ولكن الذي يحدث أن الثقب لا يُفاجَأُ به الطبيب بل إنه وفي نفس لحظة حدوثه يتم اكتشافه ويمكن معالجة الأمر بكل بساطة من خلال خياطة الثقب، ولكن أن يُترَكَ المريض ليغادر إلى منزله (ويعمل الطبيب رايح)، فليس هذا من أخلاق القَسَم الطبي الذي حلف عليه بشيء.
كما أن موضة أي مريض يشكو من بطنه طوالي منظار من أجل كسب مادي رخيص على حساب صحة وجيب المواطن فهذا مما لا يمكن قبوله، الرجل لديه نقص في فيتامين وقد أظهر المختبر ذلك ولا تبدو عليه علامات الهزال أو الضعف بل إن صحته في تمام عافيتها، فمن أين أتت هواجس الاستكشاف عبر المنظار؟
نحن لا نفقه أكثر من الأطباء، ولكننا إذا لم نمت فقد (شقينا المقابر)، حالة الرجل وحسب العديد من الأطباء الذين سألتهم لم تكن تحتاج إلى أكثر من تلك التحاليل أو بالكثير صورة رنين مغناطيسي.
بقي أن نقول إن د. إيهاب لم يعثر عند إدارة المشفى على cd العملية وهو ما توفره إدارة المشفى عادة. وحسب الموظفين فقد أخبروه أن هنالك عطباً أصاب جهاز التسجيل في يوم عملية والده، ولم يتم تصويرها عكس العمليات الأخرى في المشفى قبل وبعد عملية والده فهي مسجلة بالكامل .
على إدارة المستشفى أن تبحث أولاً في الـ cd المفقود وأن تُراجع منظومة الخدمة الطبية لديها؛ فمن الواضح أن الخدمة الفندقية هي الغالبة.
خارج السور:
من هذه المستشفى.. تيك كير.
سهير عبد الرحيم
السوداني