(1) في فبراير من العام 2013 تقدم السودان بشكوى رسمية إلى وزارة الخارجية البريطانية يحتج فيها على دخول البارونة كوكس إلى البلاد تسلّلاً دون الحصول على تأشيرة دخول. ويعلم الكافة بطبيعة الحال عن بلاوي وحكاوي مدام كوكس وولعها بدعاوى حماية المهمشين الأفارقة من كيد عرب السودان النيلي.
في سجل مدام كوكس تورطها المشين، بالمشاركة مع منظمة التضامن المسيحي، في فضيحة التقارير الشهيرة التي بثتها قبل سنوات بعض كبريات القنوات التلفزيونية الغربية حول مزاعم شراء وبيع العبيد كممارسة فاشية في السودان. وقد اضطرت هذه القنوات لاحقاً للاعتذار تحت وطأة الفضيحة، بعد أن اعترف عدد من المشاركين في تمثيل وتسجيل مشاهد وروايات البيع والشراء بأن الأمر كله لم يتجاوز كونه تمثيلية، وأن مجموعة من أصحاب العيون الخضر ومعاونيهم من رجال الحركة الشعبية دفعوا لهم أموالاً معلومة مقابل الأداء وقبول التصوير.
(2)
مؤخراً ظهر لنا كوكس جديد من كواكس بريطانيا، ولكنه ليس باروناً بل صحافي شاب يحمل اسم فيل كوكس. وفيل عند الفرنجة هو اسم الدلع لـ(فيليب). وقد تسلل هذا الكوكس إلى السودان تماماً مثل جدته البارونة الحيزبون بغير تأشيرة دخول، ثم أخذ يتجول في بعض مناطق دارفور. وهناك وبمحض الصدفة وقع في يد أفراد من حرس الحدود التابعين لقوات الدعم السريع. في وقت لاحق تشفّعت الحكومة البريطانية والتمست من رئيس الجمهورية العفو عنه، ففعل.
عند احتجاز كوكس تم إخطار السفارة البريطانية، وقامت السفارة بإرسال مندوب لمقابلته في مكان احتجازه والاطمئنان عليه مرتين اثنين. كذلك أرسلت هيئة القناة الرابعة البريطانية التي يعمل لديها، مندوباً إلى سفارة السودان بلندن التقى السفير وقدم له اعتذار القناة بصفة رسمية عن تصرف الصحافي بدخول البلاد بطريقة غير مشروعة.
الصحافيون السوادنة الذين شاهدوا الصحافي في معية السفير البريطاني قبل مغادرته قالوا إنهم رأوا أمامهم شاباً قسيماً صبوحاً نائر الوجه متورد الخدين يفور عنفواناً وعافية. وقبل المغادرة صرح الكوكس بأنه تلقى معاملة حسنة للغاية أثناء احتجازه، وبمثل ذلك صرح السفير البريطاني الذي كرر شكره لحكومة السودان لحسن المعاملة ولاستجابتها لطلب العفو. وزيادة على ذلك عبّرت وزارة الخارجية البريطانية في رسالة وجهتها لسفارة السودان بلندن عن امتنانها للمعاملة الكريمة.
(3)
ولكن حبيبنا كوكس ما إن وطئت قدماه أرض آبائه الكواكسة حتى شرع في إنتاج فيلم وثائقي صوَّر فيه نفسه في صورة الشهيد، وزعم أنه جرى إخضاعه للتعذيب على يد جلاوزتنا. بثت الفيلم القناة الرابعة البريطانية. والشاب الآن بانتظار الجوائز التي تمنح عادة لأمثاله من الصحافيين أصحاب الروايات المثيرة!
ومن رأيي أن هذا الفيلم يستحق المشاهدة. لماذا؟ الأسباب كثيرة. في مقدمتها أنه أول فيلم توثيقي في التاريخ يطلب فيه المعتقل من الجلاوزة الذين يعذبونه أن يقوموا بتصويره بكاميرته نفسها ريثما يسجل هو إفاداته عن تعذيبهم له. وهكذا فإننا نرى المعتقل، أي المستر كوكس، في الفيلم وهو يدرب الجنود على التصوير ويسلمهم الكاميرا فيصورونه. ثم تراه وهو يسجل متحدثاً عن مغامرته والجنود يصورون!
ثم أنه أول فيلم في التاريخ يقول فيه الضحية إن الجنود قيَّدوه وأحكموا وثاقه، ولكنك ترى في الفيلم قيداً في قدمه اليسري وسلسلة معدنية، ولكن السلسلة نفسها ليست مقيدة إلى شيء. وهكذا فإنك تشاهد الرجل وسلسلته طليقين يتجولان وسط الجنود جيئة وذهاباً والجنود يضحكون!
ولو أردت، أعزك الله، أن أزيدك من شعر العجب بيتاً فاسمع هذه: هناك مشهد في الفيلم يتحدث فيه الصحافي وشخص آخر عن رواية من أغرب الغرائب. قال إيه؟ قال إن الحكومة السودانية أعلنت عن رصد جائزة مقدارها مائتان وخمسون ألف دولار لمن يقبض على الصحفي كوكس!
العجب أن حكومتنا السنية لم تكن تعلم أصلاً بوجود صحفي بريطاني يتجول في تلك الأنحاء. وحتى عندما وقع عليه أفراد قوات الدعم السريع بمحض الصدفة وسألوه عن هويته كان هو نفسه الذي أبلغهم أنه صحفي بريطاني. ويمتنع عقلاً أن تكون الحكومة قد وضعت تلك الجائزة الخرافية للقبض على شخص لا تعلم أنه موجود في الدنيا أساساً!
(4)
وقد ترددت كثيراً في أن أدوِّن مزعماً خزعبلياً آخر من مزاعم هذا الشاب الجذاب. قال، حفظه الله ذخراً لأهله الكواكسة، إنه تمكن من تحويل شريط الفيديو الذي أعانه الجلاوزة على تصويره في قرص صغير، ثم قام بوضع القرص في مؤخرته. وهكذا استطاع تهريب هذا الفيلم التاريخي، ومن ثمّ عرضه على المشاهد البريطاني!
داهية تاخدك إنت واللي خلفوك. كوكسي مجنون!
بقلم
مصطفي عبدالعزيز البطل