لازال الجدل مستمراً حول تعديلات قانون العمل في السودان بين وزارة العمل واتحاد نقابات العمال والاتحاد العام لأصحاب العمل، إذ لم تصل فيه المؤسسات الثلاث لصيغة قانونية ترضي جميع الأطراف برغم استمرار القانون الحالي لمدة تزيد عن الخمسة عشر عاماً. ففي الوقت الذي يدافع فيه اتحاد نقابات العمال عن حقوق منسوبيه يسعى اتحاد أصحاب العمل إلى الدفاع عن مؤسساتهم من الصلاحيات الواسعة التي أعطاها القانون الحالي للعمال كما تسعى الحكومة ممثلة في وزارة العمل إلى الموازنة بين الإثنين ليكون قانوناً جاذباً للاستثمار والمستثمرين، ومع ذلك فإن اتحاد نقابات العمال يرى أن التعديلات المرتقبة يمكنها حسم مشكلات العمالة المؤقتة والقطاع الحر والحرفي والقطاع الخاص حيث يقول أمين علاقات العمل بالاتحاد خيري النور إن اتحاده يرفض مبدأ العمالة المؤقتة التي ظلت بعض الجهات تتحايل بها على العمال دون التمتع بحقوقهم في إشارة لأصحاب الأعمال، وتوقع خيري تجاوز الخلافات التي وصفها بغير المؤثرة، ولكنه يدعو إلى مراجعة التشريعات لمواءمة القانون مع القوانين الأخرى ومواكبة التطور.
الاتحاد العام لأصحاب العمل أبدى تحفظه الشديد على القانون الحالي، وقال أمين أمانة السياسات والاستراتيجية بالاتحاد سمير أحمد قاسم “نحن نتحفظ على القانون الحالي “ولكن ندعو لقانون جاذب يوظف أكبر عدد من العاطلين عن العمل ويقلص مستوى الفقر بالتركيز على الانفتاح الاقتصادي، ووصف قانون العمل الحالي بغير الجاذب وبه عدد من الثغرات، وأضاف القانون منفر لأصحاب العمل والاستثمار واقترح أن تتم التعديلات الجديدة بإشراك أصحاب العمل بقطاعاتهم المختلفة في التعديلات على أن يراعى التحول في الاقتصاد السوداني مع وجود نظرة مستقبلية ومراعاة قطاعات الأعمال المستثمرة في السودان الذين لهم تحفظات على قانون العمل الحالي.
الخبير الاقتصادي الدكتور هيثم فتحي قال إن قانون العمل السوداني لسنة 1997 وضع بطريقة اعتبرها البعض محاباة وتعاطفاً مع العامل دون النظر للمخدم، ويقول: هذا لا ينفي وجود أرباب عمل يهضمون حقوق العمال ويجورون عليهم، ويقول: بعض التعديلات الطفيفة تمت في 2002م إلا أنه يرى أن التعديلات المرتقبة تهدف لتقديم حماية أفضل لحقوق العمال الأساسية وتوفير أكبر قدر من المرونة لتنظيم علاقة العمل بطريقة من شأنها أن تعزز الإنتاجية والنمو الاقتصادي، ويرى أن الهدف من التعديلات الجديدة ضمان حقوق أطراف الإنتاج الثلاثة في بيئة عمل تكفل للجميع الاستمرار والنجاح، مؤكداً أن الخلافات بين ثلاثية أصحاب المصلحة امتدت لثلاث سنوات، ولكنه يقول إن تجاوزها يحسم كثيراً من القضايا من بينها العمالة المؤقتة والقطاع الحر والحرفي والقطاع الخاص، كما أن بعض الجهات تتحايل على العمال وتقوم بحرمانهم من حقوق ما بعد الخدمة (المعاشات التأمينات)، وأضاف أن قانون العمل الجديد الذي غاب لفترة طويلة أعتقد بأنه سوف يضع حلاً لهذه المشكلات.
المجلس الأعلى للأجور أقر بوجود مشكلات في القانون الحالي تواجه العاملين، ورهن حلها بتعديلات تطال أنظمة التأمينات والمعاشات وتوحيدها للوصول للعدالة بإزالة المفارقات، ويقول عبد الرحمن حيدوب رئيس المجلس الأعلى للأجور لابد من مواكبة السودان لمستويات قوانين العمل الدولية والعربية وتشمل السمات الأساسية للقانون الجديد المرتقب بحسب رئيس المجلس الأعلى للأجور عبد الرحمن حيدوب إلغاء قانون التأمين الاجتماعي لسنة 1990 وقانون الصندوق القومي للمعاشات لسنة 1991 وقانون معاشات الخدمة العامة لسنة 1993م وقانون التأمين الاجتماعي للسودانيين العاملين بالخارج لسنة 1997م فضلاً عن توحيد التفسيرات بما يتسق مع نظم الضمان الاجتماعي بجانب سريان القانون على العاملين بالحكومة والقطاع العام والخاص والمهنيين والحرفيين والسودانيين العاملين بالخارج علاوة على توحيد المزايا والحفاظ على الحقوق المكتسبة للعاملين والمؤمن عليهم إضافة لتفادي التعقيدات الإجرائية والفنية في تسوية مستحقات العاملين فضلاً عن مواءمة القانون مع الاتفاقيات العربية والدولية التي صادق عليها السودان وملزم بتطبيقها والتي لم يصادق عليها ولكن يسترشد بها والتأكيد على وضع اعتبار للتضخم المالي والآثار الاقتصادية التي تؤدى لتآكل القيمة الحقيقية للمعاشات بإجراء المعالجات اللازمة لتحسين المعاشات بجانب إفراد فصل خاص للجهاز الاستثماري للضمان الاجتماعي بالقانون لإسباغ الصفة القانونية عليه لأهميته في الحفاظ على أموال المعاشيين بتنميتها واستثمارها ورعاية وتقوية المركز المالي لنظام الضمان الاجتماعي علاوة على إلغاء الرسوم الإدارية التي كانت تخصم من تعويض الدفعة الواحدة.
وأبدى كثير من الحرفيين أملهم في تعديلات القانون الجديد بأن يلزم الدولة بإشراك عمال القطاع غير المنظم في التأمينات الاجتماعية، وأبدى رئيس نقابة الحرفيين حسن محمد الطيب أمله أن تستجيب الجهات المختلفة في إدخال القطاع غير المنظم ضمن منظومة التأمين الاجتماعي.
الخبير الاقتصادي الفاتح عثمان يقول إن القانون الحالي تم وضعه بطريقة يصعب معها تعيين الموظفين والاستغناء عنهم بل أكد أنه يفرض عقوبات على الشركات وأصحاب الأعمال ما يجعل الشركة تتردد كثيراً في التعيين، لافتاً إلى أن القانون لا يعاقب العمال على عدم أدائهم واجباتهم لحد كبير، ويرى أنه لا يشجع الشركات على تعيين مزيد من العمال، ويشير الفاتح إلى أن القانون المرتقب يجب ألا يساوى بين العامل المنتج وغير المنتج حتى يسهل الاستغناء والتعيين وتتضمن فيه عقوبات على المتسيبين خاصة وأن القانون الحالي يعطى فرصة واسعة على الأفراد وهؤلاء هم المتسيبون في المؤسسات الحكومية والخاصة الذين لا يعملون ولا تستطيع المؤسسات الاستغناء عنهم خوفاً من قانون العمل، وقال إن يجب أن يكون هنالك تعادل بين الحقَّينْ، لأن الكفة تميل للعامل وهذا يؤدى لوأد الاستثمار والصناعة، وقال إن ذلك ليس في مصلحة البلد والعمال أنفسهم، ولكن اتحاد العمال ينظر للعاملين فقط، ولكن هنالك آلاف العاملين الجدد ولهذا توجد ظاهرة تعيين العمالة المؤقتة خوفاً من المشاكل إذ أن الإصلاح مطلب ملح لإطلاق ثورة في تعيين آلاف الموظفين، وأشار إلى أن مجموعة من النقابيين أورثوا قوانين عمل غريبة ولوائح تأتي في مصلحتهم فقط، بينما أصحاب المؤسسات والشركات وملاك الأسهم لا يملكون شيئاً سواء كانت المؤسسة خاسرة أم رابحة.
الخبير الاقتصادي الدكتور محمد الناير يقول إنه وفقاً لقانون العمل الحالي أصبح العمال بإمكانهم قفل المؤسسات من خلال المطالبة بحقوقهم بغض النظر عن ربحية المؤسسة من عدمه ولكنه قال إن إجازة القانون الجديد لن تكون سهلة ولابد من إشراك خبراء وبرلمانيين للخروج بقانون يرضي جميع الأطراف.
الخرطوم: عاصم إسماعيل
صحيفة الصيحة