بعضنا يأخذه الحنين بعيدا لعودة الجنوب مرة أخرى لحضن الشمال ولا زالوا بتباكون على الخارطة القديمة والمليون ميل مربع وذلك الوطن الوسيع الفسيح ، ناسين أو متناسبن ، جاهلين أو متجاهلين كم دفعنا فى سبيل تلك الوحدة المزعومة من ثروات ومن موارد ومن أرواح ومن دماء .. وكم اقعدنا هذا الجنوب عن التطور والتقدم والتنمية والنماء ، وكم تخلفنا عن ركب الأمم وكم غرقنا عشرات العقود فى لجج الحروب وبرك الدماء …
وبعد أن تنازلنا لهم طوعا وانسحبنا وتركنا لهم حرية الاختيار … اختاروا فى أغلبية ساحقة الانفصال ، وذرفت العصافير والحمايم والصقور فى تلك الليلة الدموع سخية وسخينة واحسسنا بأن هنالك جزءا عزيزا من جسدنا يقتطع وروحا تخرج .. بكينا لأنهم لم يختارونا ، بكينا لأننا كنا نحبهم ونريدهم بيننا .. غادر زعماؤهم الخرطوم وهو ثملون بالفرح والانتصار والانفصال ، ونكسنا نحن هنا فى الخرطوم رؤوسنا خجلا وحياء ومهانة على وقع الهزيمة الروحية ، سلمناهم وطنا لم تطاه اقدامهم عشرات السنين ، بعد أن تلفظوا علينا بأبشع وأسوأ الكلمات .. كنا لهم درعا واقيا ضد القبلية والعرقية واطماع الجوار ، كان عيشهم ياتيهم رغدا من الشمال وكانوا يعيشون فى الخرطوم ويتمتعون بالحرية كما أفضل من جوبا ، لا يستطيع أي مواطن ان يتلفظ بحرف واحد على جنوبى ، وما أن قامت الدولة الوليدة وأعلن الاستقلال إلا وامتدت اياديهم إلى القلة القليلة من الشماليين الذين يعيشون بينهم بالضرب والقتل والتنكيل كأول هدية لشعب الشمال .. ذبحوا إخواننا هناك كما تذبح الخراف ونهبت أموالهم وممتلكاتهم واحرقت متاجرهم وبيوتهم …
ومن ثم ترجم العداء فى إشعال جميع الحدود مع الجنوب وجعلها بؤرا لحروب جديدة واستهداف جديد .
قلنا بعد الانفصال سيكون انفصال سياسى فقط وسبكون جوار مكين وأمين وسنتبادل المصالح والمنافع مع إخوتنا فى الجنوب ولن نبخل عليهم بخبرة أو معرفة أو استشارة أو نصح وتوجيه ، ولكنهم كانوا يبيتون أمرا آخر ، وهو تدمير الشمال خدمة لمصالح الدوائر الخارجية والتى سعادتهم كثيرا فى الوصول الى ماربهم بالانفصال ، واذكاء لنيران الحقد والكراهية والفتن .
ولكنهم لم يستطيعوا أن يحركوا حجرا واحدا من أركان اسود الغاب وعرين الرجال ، حيث الشهامة والبسالة فرجعوا إلى اوكارهم خاسئين ، ثم ما لبث أن انقلب السحر على الساحر ودارت المجازر بينهم ، طحن شديد ، حتى قال قائلهم : إن عدد القتلى فى هذه الحرب العرقية الأهلية فاق جميع من قتلوا طيلة سنين الحرب مع الشمال !!! اللهم لا شماتة ، وحتى لا نغرق مرة أخرى فى مستنقع الجنوب اقول : لا للوحدة مرة أخرى مع الجنوب ، وعلينا أن نتعلم من الدروس السابقة ، وما دفعنا مهرا للوحدة المشؤومة ، خيرة شبابنا ورجالنا ، الجنوب مبروك عليكم وسنظل فقط جيران إن اردتم جوارنا أو لم تريدوا وعلينا وعليكم حفظ أدبيات الجوار ، وأقول لمن يدعو للوحدة مع الجنوب من أبناء الشمال بيننا وبينكم صناديق الاقتراع .
الجنوب للجنوبيين والشمال الشماليين ، ودمتم بخير .
أحمد بطران