السؤال
أود استشارتكم في مشكل عويص أواجهه بشدة وأحترق به كل يوم، بل كل ساعة، بل كل دقيقة.
أنا شاب كجميع الشباب المسلمين، أدرس في السلك الثانوي، حياتي حياة مفعمة بذكر الخالق عز وجل، وعلاقتي بالناس هنيئة، باستثناء أبي؛ أبي يعنفني كل لحظة على أشياء تافهة، بل مهملة، ويحرضني أحيانًا على فعل الرذيلة، كالزنا أو ما شابه، ويعاقبني على أشياء هو بدوره يزاولها في حياته اليومية، لكن أنا أستعملها لتجاوز المشاكل. فعلى سبيل المثال: أكذب أحيانًا لكي لا أغضبه، أو أزيل عنه المشاكل، لكني أسقط في شرك العقوبة، في حين يقوم بها هو للمصالح الشخصية غير مبال بعلاقته بالآخرين.
حين بحثت في مصادر خارجية وجدت أن ضربه لي غير جائز؛ ﻷنه خارج عن الحالات التي يجوز فيها ضرب اﻷبناء، كما أنه يرديني أرضًا أحيانًا بعلامات ظاهرة للعيان، في حين لا يعاقبني على أمور مهمة كالصلاة، وفي اﻷخير لم أتعلم منه ولا خصلة حسنة أقتدي بها، فقط هدى الله وإرشاد الناصحين -جزاهم الله خيرًا-، وتتبعي للسنة والعقيدة.
وسؤالي لحضرتكم: كيف يمكنني تجاوز هذه المشكلة دون سخط من الله وعقوق الوالدين؟
الجواب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شكرًا على تكرّمكم بطلب الاستشارة من موقعكم وثقتكم بنا، آملين في تواصلكم الدائم مع الموقع، وبعد:
فقد أسعدنا سؤالك، وأفرحنا صلاحك، ونسأل الله أن يهدي والدك، وأن يصلح حالنا وحالك، وأن يسعدك ويحقق لك في طاعته آمالك.
أنت في سن تتيح لك التأثير دون التأثر، وما كتبت من الكلمات تطمئننا وتفيدنا بأنك قادر على تجاوز الصعاب، ورفضك لأخطاء الوالد وممارساته دليل على سلامة فطرتك وصدق تدينك؛ فلا تيأس ولا تضعف، وكيف يضعف من يتكئ على العقيدة ويستمع لنصح الناصحين؟!
أما بالنسبة لوالدك؛ فنحن ندعوك إلى الحرص على بره وعلى طاعته في كل ما يأمرك به، إلا إذا طلب منك معصية الله؛ فعندها لا سمع ولا طاعة؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولكن مع ذلك لابد من حسن مصاحبته؛ لأن الله يقول: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفًا واتبع سبيل من أناب إلي..} فمن حق الولد أن يرفض الوقوع في المعصية، بل يجب عليه أن يرفض، ولكن ليس له أن يسيء الأدب أو يتطاول على والده، وقدوة الناس في هذا خليل الرحمن الذي كان لطيفًا مع والده في دعوته، فكان يردد: (يا أبت..يا أبت..) بل إن الخليل -عليه السلام- عندما هدده والده وطرده؛ لم يزد على أن قال لوالده: {سلام عليك سأستغفر لك ربي}.
ولا شك أن تجاوزك للأزمة يكون بثباتك على طاعة ربك، ثم بحرصك على مداراة والدك ومسايسته، واجتهد في دعوته إلى الخير بعد الدعاء له، واعلم بأن الإحسان من أقصر الطرق إلى القلوب، وإذا شعرت أن والدك يظلم الآخرين أو ينتقصهم؛ فتدارك الخلل، وطيب خواطرهم، وتذكر أن بر الوالدين عبادة، وأنك تؤدي ما عليك إذا قمت بما تستطيع، ولن يضرك غضب الوالد أو اتهامه لك بالتقصير إذا قمت بما عليك، وتجنب ما يغضب الوالد؛ حتى لا يعاقبك بالضرب، وتواصل مع موقعك، واستمع للناصحين، واستعن قبل ذلك وبعده برب العالمين.
وهذه وصيتنا لك بتقوى الله، ثم بكثرة اللجوء إليه، ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
د. أحمد الفرجابي
المشكاة