وجوه في حكومة الوفاق الوطني (4).. أحمد بلال.. باحث عن الزعامة عبر حزب الزعماء

حدثان على درجة عالية من الأهمية، جريا أخيراً كان بطلهما وزير الإعلام، الأمين العام المكلف بالحزب الاتحادي الديمقراطي (المسجل)، د. أحمد بلال عثمان، أولهما حكومي يتصل بغضبته مما أسماه تطاول الإعلام المصري بحق السودان وشعبه، وثانيهما حزبي صرف حين أبطل مجلس شؤون الأحزاب قرارات اللجنة المركزية وأعاد القيادية البارزة إشراقة سيد محمود إلى واحة الشريف زين العابدين في زمن الرمضاء.

بطاقة شخصية
ولد د. أحمد بلال في قرية (أم صيقعون) ريفي الغبشة بشمال كردفان، تلقى تعليميه الأولي بمدرسة الغبشة، ثم أم روابة الوسطى التي قاد فيها تظاهرة بسبب رداءة الطعام في داخليات الطلاب، ليتم فصله عن الدراسة لأسبوعين ثم انتقل لكوستي الثانوية، ومنها التحق بكلية الطب جامعة الخرطوم.

وبعد تخرجه في بداية السبعينات عمل د. بلال طبيباً بمستشفى الفاشر، ثم الجنينة، وفي عام (1979) انتقل للعمل بود مدني، حيث نشب خلاف بينه وبين الطبيب المسؤول عن العيادة التي كان يعمل بها، وترك العمل وعاد للخرطوم، ومن ثم هاجر للعمل في ليبيا التي ظل يعمل بها طبيباً حتى عام (1983)، بعدها ذهب إلى لندن ليتخصص في طب المناطق الحارة، وخلال عمله في العاصمة الليبية طرابلس وتحديداً في مستشفى التأمينات تعرف على أحد أبناء عمومة القذافي الذي كان يتردد على المستشفى برفقة ابنه المريض، ليكون ذلك منفذه إلى القذافي، ذلك بجانب معرفته بشخصيات في الحكومة الليبية مثل وزير الخارجية وقتذاك د. خالد التريجي.

في الاتحادي
بحكم علاقته القوية بالقذافي ورجالات حكمه، تخلى بلال عن مهنة الطب لصالح السياسة. وعن هذا التحول يقول (لست نادماً على ترك الطب)، مبرراً ذلك أن الطب مهنة تحتاج إلى تفرغ تام وقراءة مستفيضة.

ثم أصبح أحد قيادات تنظيم اللجان الثورية الذي أنشأ فرعاً في السودان عام (1985) عقب الانتفاضة بقيادة عبد الله زكريا، وترشح بلال باسم حركة اللجان الثورية في انتخابات 1986 في دائرة أم روابة الشرقية غير أن أهله اشترطوا عليه أن يترشح باسم الحزب الاتحادي الديمقراطي إن أراد أصواتهم، ليعود أدراجه للخرطوم وينضم للاتحادي بعد لقائه أمين عام الحزب الشريف زين العابدين الهندي، ومن ثم نال أصوات أهله الاتحاديين ودخل البرلمان.

عتبة أولى
بعد البرلمان، تم تعيين بلال في الجهاز التنفيذي، وكان أول منصب وزاري تقلده وزير دولة بوزارة الصحة 1986م، وظل يشغله حتى تقدم باستقالته قبل انقلاب الإنقاذ بشهر واحد، متضامناً مع الشريف زين العابدين الهندي الذي استقال إثر خلاف مع رئيس الحزب مولانا محمد عثمان الميرغني.

معارض شرس
وفي بداية الإنقاذ 1989 تم اعتقال بلال لفترة قبل أن يهاجر إلى مصر ويصبح من أشرس المعارضين للخرطوم، بيد أن تحفظات الشريف الهندي على منظومة التجمع جعلتهم يواجهون حرباً شرسة مع مكونات الحلف، وهذا ما دفع الشريف عام 1995 لإطلاق مبادرته التي عُرفت بمبادرة الحوار الشعبي الشامل عندما أحس برغبة الإنقاذ في الانفتاح وقبول الرأي الآخر. فعاد بلال للخرطوم في أبريل 1997م قائداً لوفد المقدمة الذي سبق عودة الشريف في يونيو 1997م .

لجنة الفكر
تم اختيار د. أحمد بلال لرئاسة الجانب الاتحادي في لجنة الحوار والفكر التي تكونت بطلب من الشريف بعد رفض المشاركة في السلطة مشترطًا تشكيل (حكومة برنامج) منزوعة عنها الصفة الحزبية والعسكرية تقتصر مهمتها على حل المشاكل الكبيرة والمستعصية في فترة محددة، تعود بعدها البلاد إلى انتخابات عامة، ليتم الاتفاق بين الإنقاذ والشريف على تكوين هذه اللجنة برئاسة النائب الأول الراحل المشير الزبير محمد صالح، وكان منوطاً بها إجراء حوار بين الطرفين استمر لفترة العام ونصف العام، وبعدها خرجت اللجنة بميثاق سياسي كانت ثمرته دستور عام (1998)، ثم البرنامج الوطني الذي قاد على أساسه د. أحمد بلال في عام 2001 خط المشاركة في الحكومة ويسانده فيه وزير التجارة السابق عثمان عمر الشريف، وكانا من أكثر أنصار المشاركة رغم تحفظ الشريف عليها، ليتم لهما ما أرادا، وتم تشكيل ما عرف بحكومة البرنامج الوطني، حيث تولى بلال حقيبة وزارة الصحة من عام (2001 وحتى 2004)، ثم مستشاراً للرئيس خلال الفترة الانتقالية التي أعقبت اتفاقية نيفاشا، حيث قررت لجنة اختيار منسوبي الحزب التي شكلها الأمين العام إبعاده عن المنصب الوزاري لإعطاء الفرصة لآخرين، غير أن بلال رفض هذا الشرط في التشكيل الوزاري الذي أعقب انتخابات (2015)، وهو ما أكده لـ(الصيحة) مقرر اللجنة المركزية سيد أبو علي في إفادات سابقة، إذ قال إن الأمين العام عندما أخطر أحمد بلال بإعمال هذا الشرط وافق عليه لكنه اشترط أن يتم إبعاده بمعية د. جلال الدقير من تولي أي منصب وإعمال هذا الشرط على كل من سبق واستوزر، منوهاً إلى أن د. جلال تراجع ليأتي أحمد بلال في التشكيل الوزاري (2015) وزيراً للإعلام، ويظل في هذا المنصب حتى يومنا هذا في مخالفة لوصية الشريف.

لسان حكومي
ويعترض مؤيدون للمسجل على تحدُّث بلال باسم الحكومة وتحمل حزبهم لوزر التصريحات المعادية لكثيرين، وهذا ما جعل الجميع يطلقون على أحمد بلال توصيف أنه (ملكي أكثر من الملك) ويرد أحمد بلال على هذا الاتهام بأنه يتصدى لقضايا السودان لا قضايا المؤتمر الوطني، ويقول: (أنا ناطق باسم الحكومة أعبر عن وجهة نظر الإرادة الجمعية للحكومة).

وعقب وفاة الشريف رئيس الحزب تولى أحمد بلال منصب نائب الأمين العام للحزب وأصبح أحد النافذين فيه، ومن الشخصيات القوية، وفي الحكومة يعتبر تصديه القوي لمعظم شواغل الحكومة نقطة في صالحه للحلول بالتشكيل المقبل، ولكن حال تجاوز اعتراضات اتحادية بأنه مهادن للمؤتمر الوطني.

في وجه العاصفة
من أبرز الهزات التي واجهها بلال في الحزب الاستقالة المفاجئة للأمين العام جلال الدقير في وقتٍ تصاعدت فيه حدة الخلافات الداخلية بعد أن رفعت قيادات بارزة على رأسها مساعد الأمين العام إشراقة سيد محمود مذكرة لمجلس الأحزاب تطالب بعقد المؤتمر العام وملء الفراغ الذي خلفه رحيل رئيس الحزب الشريف زين العابدين الهندي، فضلاً عن المحاسبة المالية والمطالبة بالإصلاح والتغيير وإعادة بناء مؤسسات حقيقية.

وعلى خلفية هذه المطالبة تمت إقالة إشراقة من منصب مساعد الأمين العام الشيء الذي رفضته الأخيرة لعدم شرعية المؤسسات القائمة التي اتخذت القرار، ومن ثم بقرارات من الأحزاب أعيدت ثانية إلى كابينة القيادة.

ويرى الاتحاديون أن يجب على الدكتور أحمد بلال التعامل بهدوء وروية مع التيارات المتصارعة والدفع برؤية جديدة يتجاوز بها المسجل صراعاته في مناخ وفاقي، وذلك شريطة الانفكاك من لوبي يقولون إنه يتحرك لإفشاله لصالح إعادة الدقير.

إذاً هو مرضيٌّ عنه في الحكومة، وله كثير من الساخطين في صفوف حزب يقول الشريف الهندي عنه (إنه حزب كله زعماء وما أصعب التعامل مع الزعماء).

الخرطوم: الطيب محمد خير
صحيفة الصيحة

Exit mobile version