عرق الغلابى

من مفارقات هذه الحكومة التي لا تنتهي، أن المجلس التشريعي لولاية الخرطوم كشف قبل فترة عن تجاوزات في تحصيل رسوم (الدرداقات) بتحصيل مبلغ (15) جنيهاً يومياً بدلاً عن الرسوم المقررة من المجلس والبالغة (19) جنيهاً شهرياً.
* وهي لعمري واحدة من أسوأ ما قامت به الإنقاذ منذ مجيئها، لتمتد هذه الممارسات لأصحاب المهن الصغيرة والتي يسمونها (هامشية)، رغم قسوة التسمية إلا أنها شملت (ستات الشاي) اللائي تفرض عليهن المحليات إيجار الكراسي الخاصة بها مقابل نسبة محددة لصالح هؤلاء (الباشبوزق) الذين يستعرضون (عضلاتهم) أمام هؤلاء الضعفاء ولا يجرؤون على الاقتراب من (الكبار).

* موضوع أصحاب الدرداقات والظلم الذي يتعرضون له من موظفي المحليات، تم تناوله كثيراً على معظم وسائل الإعلام دون أن نسمع بقضية واحدة حكم فيها لصالح العامل البسيط، أو تمت معالجة حالة واحدة من آلاف الحالات التي تتم فيها مصادرة الدرداقات من أصحابها نتيجة لعدم التزامهم بسداد مبلغ المحلية اليومي بغض النظر عن التوريدة إن كانت جيدة أو لم يكن هناك عائد أصلاً طيلة اليوم، عدا الحالة التي تابعت فيها صحيفة (الجريدة) بالتحقيق مأساة أصحاب الدرداقات الذين حفظوا لـ(الجريدة) الجميلة ووقفوا مساندين في الوقفة الاحتجاجية الشهيرة عقب حملة المصادرات المتكررة العام الماضي.

* المسؤولون بالمحليات الذين يعانون غياب الضمير، لا يتورعون في مصادرة قوت يوم أو عشرة أيام لهؤلاء الضعفاء من أصحاب الدخل المحدود والحيل المهدود، ولا يهمهم إن جاع أو مات جوعاً طالما (العداد رامي)، وليت العداد يعود لصالح المواطن في معيشته أو الخدمات التي تقدم له من نفايات وعتب وغيرها من مصطلحات وهمية.

* صاحب الدرداقة في العادة يكون طالبا أو تلميذا أو حتى رب أسرة، لا يملك في معظم الأحيان قوت يومه، ويظل في حالة هرولة طيلة النهار يتجول في معظم مدن العاصمة المثلثة، يبلل عرقه الأسفلت والردميات التي يمر بها، ثم يواصلون ذات العمل ليلاً بحثاً عن مبلغ يكفي قدر المستطاع حاجتهم ليوم الغد من مأكل ومشرب ورسوم دراسة خاصة وأن معظمهم يعيلون أسراً لا يقل عدد الأسرة الواحدة منها عن خمسة أفراد على الأقل.

* صاحب الدرداقة يقوم بعمله هذا (قاطعاً) الشوارع والكباري جيئة وذهاباً، معرضا حياته للخطر، دافعاً الدرداقة بيديه المنهكة وجسده النحيل، بينما يظل عامل المحلية لا شاغل له سوى نفض جيب هذا المسكين دون أن يكون له اعتبار لظرف المسكين ان كان مامعه يكفي لشراء كيس رغيف أو طلب فول أو حتى ثمن الدواء إن كان هناك مريض بالأسرة.

* شخصياً لو كنت مسؤولاً بهذه المحليات لأوقفت هذا العبث المسمي تحصيل رسوم يومية أو شهرية أو سنوية من قبل المحليات ، بل أجتهد في توسيع مداخيلهم، فهم علي الأقل لم يشكلون عبئاً على الحكومة وقلصوا أعداد الموضوعين في قائمة (البطالة).
* وليت أصحاب الدرداقات أنفسهم تكاتفوا وأتفقوا على لفت نظر الرأي العام بحثاً عن حل عادل لقضيتهم، بكشف هؤلاء المتلاعبين بأموال الشعب والأساليب التي يتبعونها في تجفيف جيوبهم دون رحمة.

* وليت أصحاب المبادرات الشبابية المنتشرين بالسودان عموماً والخرطوم على وجه الخصوص، ومنظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق الإنسان، القيام بحملات تثقيفية لأصحاب المهن الصغيرة ليعوا حقوقهم وواجباتهم، وليتعلموا كيفية الدفاع عن حقوقهم المسلوبة بأمر الحكومة، التي عجزت عن الصرف على نفسها فاتجهت للمواطن البسيط ليحل لها مشاكلها الاقتصادية من خلال مثل هذه الكشات المخالفة للقانون.

بلا حدود – هنادي الصديق
صحيفة الجريدة

Exit mobile version