لم يكن الهجوم الإعلامي المصري عبر الفضائيات ووسائل التواصل ظاهرة فردية ، بل حملة إعلامية منظمة ضد السودان بالتزامن مع تطورات الأحداث السياسية والأمنية في السودان ونجاح الوطني الذي ستتمخض عنه حكومة وفاق وطني من المتوقع ان تجد مباركة المجتمع الدولى ، بجانب تطورات الأوضاع الخارجية على رأسها قرار رفع العقوبات الإقتصادية الأمريكية الأمر الذي تعتبره القاهرة بأنه المفتاح الذي يزيد السودان للإنفتاح الإقتصادي تجاه الغرب مما يعني انه سيبتعد شيئاً فشيئاً عنها.
ورغم التصعيد الإعلامي المصري تجاه السودان ، الا ان السودان ظل يكرر بأن المصالح بينه ومصر استراتيجية مشتركة كما ان البلدان يمتلكان علاقات تاريخية مع طمأنة الأخيرة بالحفاظ على تلك المصالح ، مع التأكيد على وضوح رؤيتة في الحفاظ على حقة التاريخي في مثلث حلايب الذي يعتبر نقطة الخلاف بين الجانبين .
زادت الأصوات الإعلامية في مصر التى تسيء الى السودان من حدتها بعد قرار رفع العقوبات عن السودان ، ولا يأتي ذلك بمعزل عن الموقف الرسمي لمصر التى كان من المتوقع أن تدفع بأول رسائل التهنئة برفع العقوبات ، غير أنها خالفت التوقعات بعد أن تضاربت المعلومات حول اذا ماكانت ضمن المهنئين.
التزم السودان بعدم التعامل مع المعارضة المصرية داخل السودان أو خارجة ، وقابلت القاهرة الخطوة بضدها اذ فتحت أبوابها للمعارضة السودان ومثلت بوابة إنطلاقها ، ولم يكن بعيدا ً عن الذاكرة إستاضفتها للصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي طوال فترة مباحاثات الحوار الوطني دون أن يذكر أنها لعبت دور الوسيط لتقريب وجهات النظر بينه والحكومة ودعم الحوار الوطني كغيرها من الدول العربية والغربية والأفريقية التي لعبت دوراً في انجاح الحوار الوطني ودعمه ، ولم يكن احتضان مصر للمعارضة الساسية السلمية فقط بل أن أنها لم تبذل أدني جهداً في إغلاق مكاتب حركة العدل والمساواة رغم الخروقات الإنسانية والأمنية التي ظلت تقوم بها الحركة تجاه المواطنين السودانين بمناطق النزاع.
ويقول د.النور حمد الباحث في المركز العربي للدراسات والسياسات، أن مايدور بين مصر والسودان يعتبر قضية خاصة جداً ومرتبطة بالذهنية المصرية معتبراً ان التاريخ السوداني كتب من وجهة نظر مصرية وان السودانين تبنوا هذه الكتابه ، واضاف اصبحنا ملحقين عقلياً بالعقلية المصرية ، وان السودان ظل يأخذ الأخطاء المصرية من باب العفوية لكن ماتقوم به مصر تعتبر مسائل متعمدة خاصة اذا ما نظرنا الى الأخطاء التى ترد في كتابه اسماء بعض الرؤساء السودانين مثلاً وهذه مسألة مقصود منها الحط النفسي والوضع في مكان دُون . ويضيف حمد ان العقلية المصرية تخندقت بان السودان تابع ويجب ان يظل تابعا لهاً ، مبيناً أن مصر لم تقبل استقلال السودان وفي ادبياتهم يتحدثون حول أن السودان يجب ان يظل ملكاً مصرياً وهذا الحديث هذا ثابت في ادبياتهم ولا يزال يُردد بينهم.
وقال أن مصر تري ان المصلحة المصرية تعلو على كل شيء ، وبالنظر الى جميع الخطابات المصرية التى تصدر من الأفراد تجاه السودان لا يمكن ان نعتبرها خطابات فردية واخطاء بسيطة بل جميعها توثق لدي الجانب المصري ، وقال في اعتقادي ان الإكاديمية المصرية تدار بصورة منهجية لإستتباع السودان وتغييب وعي السودانين ، واضاف يجيب ان لا يكون هنالك اي تسامح في إنتقاص الكرامة الوطنية فالعلاقات بين الدول تقوم على هذه الأسس بجانب المصالح وتوازن القوي.
ويري المراقبون ان القاهرة اضحت تخشي من أن يصبح السودان رائداً في القارة الأفريقية و يصبح قائداً لها، خاصة بعد توحد القارة ضد قرار المحكمة الجنائية الدولية تجاه السودان ، و زاد اختيار القارة الأفريقية للسودان اميناً عاماً للأحزاب الأفريقية من خشية مصر على ضمور مكانتها في القارة مع صعود الأتحاد الأفريقي الذي يعتبر السودان أكثر الدول الأفريقية نفوذاً فيه ومساهمته في حل مشاكل القارة الأفريقية.
فتح قرار رفع العقوبات الإقتصادية عن السودان المجال لتعامل السودان مباشرة مع البنوك الأمريكية وهو ما أثار غيرة مصر في ظل الوضع الإقتصادي المتردي لها ، خاصة وان قرار رفع العقوبات عن السودان تزامن مع مرحلة مرور الإقتصاد المصري بمرحلة تعويم الجنية مما يضاعف من قوة الجنيه السوداني مقابل الجنيه المصري.
يوضح القيادي بالمؤتمر الشعبي ابوبكر عبد الرازق أن السودان يقع ضمن الملف الأمني في إطار الملفات السياسية المصرية ولازالت مصر تتعامل مع السودان بعقلية التابع ومازال النظام المصري يضع السودان ضمن ملفات الإستخبارات ، واضاف أن مصر غير سعيدة بقرار رفع العقوبات عن السودان كما انها لم تكن سعيدة بالحوار الوطني الذي جري ، مضيفاً أن القاهرة تري أن السودان قد توشح بالعزة عندما رفض المنتجات المصرية وبالطبع فان هذا القرار كان له تأثيره السالب على الإقتصاد المصري .
واضاف عبد الرازق أن هنالك معلومة تتحدث عن إعتراض مصر على قرار رفع العقوبات عن السودان فالنظام المصري يري أن نظام الحكم في السودان مهدد لإستقراره.
واضاف أن نظام الحكم في مصر ماهو الا إمتداد لحقبة حسني مبارك الذي كان نظامة يكن العداء للسودان وجاء لإستكمال ذات المسيرة.
إنفتاح السودان على المحيط الخليجي والسعودية وتقوية اواصر التعامل الإقتصادي والامني وفي مقبال العزلة الإقليمية التى تعانيها مصر ، جميعها اسباب حالت دون استحسان مصر لقرار رفع العقوبات عن السودان واو اصدار بيان رسمي شأنها شأن بقية دول العالم ، الأمر الذي ارجعه المراقبون الى أن مصر تدرك ان قرار رفع العقوبات عن السودان سيكون له تأثير مباشر على مصالح مصر التى كانت تجنيها في السابق لجهة انه سيتيح للسودان عمليات التصدير مباشره للدول المستورده لها دون وسيط مما يفقد مصر فرصة استغلالها لموارد السودان التي كانت تمر عبر الحدود الي مصر التى تقوم بتصديرها باعتبار انها منتجات مصرية ، كما أن قرار رفع العقوبات سيمكن السودان من استيراد مقومات الصناعة مما يجعله يستغني عن بعض الصناعات المصريه. فضلاً عن استطاعت السودان استيراد معينات الزراعه وألياتها مما يساعده من التوسع زراعياً الأمر الذي لن يجد رضا القاهره بالتأكيد.
smc